قال أبو عبيد: "فبينت أن لكل يوم إطعام واحد، فالواحد مترجم عن الجميع، وليس الجميع بمترجم عن واحد. وجمع المساكين لا يدري كم منهم في اليوم إلا من غير الآية" (?).
القراءة الثالثة: {فديةٌ طعامُ مساكينَ}؛ بتنوين {فديةٌ} مع الرفع؛ و {طعامُ} بالرفع؛ و {مساكينَ} بالجمع، وفتح النون بلا تنوين.
قال أبو علي الفارسي: "إن الإفراد جاز وحسن لأن المعنى: على كل واحد طعام مسكين، فلهذا أفرد، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، وليس جميع القاذفين يفرّق فيهم جلد ثمانين، إنّما على كلّ واحد منهم جلد ثمانين، وكذلك على كلّ واحد منهم طعام مسكين. فأفرد هذا كما جمع قوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً} " (?).
واختار قراءة الجمع النحاس قال: " وهذا مردود من كلام أبي عبيد لأن هذا إنّما يعرف بالدلالة فقد علم أنّ معنى {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين}، أنّ لكلّ يوم مسكينا فالاختيار هذه القراءة ليرد جمعا على جمع، واختار أبو عبيد أن يقرأ {فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ}، قال: "لأن الطعام هو الفدية"، ولا يجوز أن يكون الطعام نعتا لأنه جوهر ولكنه يجوز على البدل وأبين منه أن يقرأ فِدْيَةٌ طَعامُ بالإضافة لأن فدية مبهمة تقع للطعام وغيره فصار مثل قولك: هذا ثوب خزّ" (?).
والمراد بالـ {مسكين}، "من لا يجد شيئاً يكفيه لمدة سنة؛ فيدخل في هذا التعريف الفقير؛ فإذا مر بك المسكين فهو شامل للفقير؛ وإذا مر بك الفقير فإنه شامل للمسكين؛ أما إذا جمعا فقد قال أهل العلم: إن بينهما فرقاً: فالفقير أشد حاجة من المسكين؛ الفقير هو الذي لا يجد نصف كفاية سنة؛ وأما المسكين فيجد النصف فأكثر دون الكفاية لمدة سنة" (?).
واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا، وفيه أقوال (?):
أحدها: أنه كان الواجبُ من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح.
والثاني: أنه كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم، مدًّا من قمح ومن سائر أقواتهم.
والثالث: أنه كان ذلك نصف صاع من قمح، أو صاعًا من تمر أو زبيب.
والرابع: أنه ما كان المفطر يتقوَّته يومَه الذي أفطرَه.
والخامس: أنه كان ذلك سحورًا وَعشاءً، يكون للمسكين إفطارًا.
قوله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184]؛ " أي فمن زاد على القدر المذكور في الفدية فذلك خير له" (?).
قال المراغي: " أي فمن زاد في الفدية فذلك خير له، لأن ثوابه عائد إليه ومنفعته له" (?).
قال ابن عثيمين: " أي فمن فعل الطاعة على وجه خير فهو خير له .. ومعلوم أن الفعل لا يكون طاعة إلا إذا كان موافقاً لمرضاة الله عز وجل بأن يكون خالصاً لوجهه موافقاً لشريعته؛ فإن لم يكن خالصاً لم يكن