وقد روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم-أنه قال: " بَيْنَ صَومِنَا وَصَومِ أهلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ " (?).
والقول الثاني: أن التشبيه في عدد الصوم، وفيه قولان (?):
أحدهما: أن النصارى كان الله فرض عليهم صيام ثلاثين يوماً كما فرض علينا، فكان ربما وقع في القيظ، فجعلوه في الفصل بين الشتاء والصيف، ثم كفّروه بصوم عشرين يوماً زائدة، ليكون تمحيصاً لذنوبهم وتكفيراً لتبديلهم، وهذا قول الشعبي (?).
والثاني: أنهم اليهود كان عليهم صيام ثلاثة أيام من كل شهر، إلى أن نسخ بصوم رمضان. وهذا قول ابن عباس (?)، والضحاك بن مزاحم (?)، وعطاء (?)، وقتادة (?).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن معاذ بن جبل: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء، فصام تسعة عشر شهرا من ربيع الأول إلى رمضان، ثم قال: إن الله قد افترض عليكم شهر رمضان" (?).
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين فائدتين في غرض التشبيه في قوله تعالى: {كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] (?):
الفائدة الأولى: التسلية لهذه الأمة حتى لا يقال: كلفنا بهذا العمل الشاق دون غيرنا؛ لقوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} [الزخرف: 39] يعني لن يخفف عنكم العذابَ اشتراكُكم فيه - كما هي الحال في الدنيا: فإن الإنسان إذا شاركه غيره في أمر شاق هان عليه؛ ولهذا قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً (?):
ولَوْلا كَثرَة ُ الباكينَ حَوْلي على اخوانهمْ لقتلتُ نفسي
وما يَبكونَ مثلَ أخي ولكِنْ اعزّي النَّفسَ عنهُ بالتَّأسي
الفائدة الثانية: استكمال هذه الأمة للفضائل التي سبقت إليها الأمم السابقة؛ ولا ريب أن الصيام من أعظم الفضائل؛ فالإنسان يصبر عن طعامه، وشرابه، وشهوته لله عز وجل؛ ومن أجل هذا اختصه الله لنفسه، فقال تعالى: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي" (?).
قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، " أي لتكونوا من المتقين لله، المجتنبين لمحارمه" (?).
قال ابن عباس: "يريد: كي تخافوني في حدودي وفرائضي" (?).
قال الثعلبي: أي: " لكي تتقوا الأكل والشرب والجماع" (?).