لأحد ورثة المقتول جزء من ألف جزء من التركة، ثم عفا عن القصاص انسحب العفو على الجميع؛ لأن الجزء الذي عفا عنه لا قصاص فيه؛ والقصاص لا يتبعض؛ إذ لا يمكن قتل القاتل إلا جزءاً من ألف جزء منه.
15 - ومنها: أن دية العمد على القاتل؛ لقوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء}؛ ولا شك أن المعفو عنه هو القاتل؛ وقد أمر بالأداء.
16 - ومنها: أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان؛ لقوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء}؛ فجعل الله المقتول أخاً للقاتل؛ ولو خرج من الإيمان لم يكن أخاً له.
17 - ومنها: الرد على طائفتين مبتدعتين؛ وهما الخوارج، والمعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن فاعل الكبيرة خارج من الإيمان؛ لكن الخوارج يصرحون بكفره؛ والمعتزلة يقولون: إنه في منزلة بين المنزلتين: الإيمان، والكفر - فلا هو كافر؛ ولا هو بمؤمن؛ لكن اتفق الجميع على أنه مخلد في النار.
18 - ومنها: أنه يجب الاتباع بالمعروف - يعني يجب على أولياء المقتول إذا عفوا إلى الدية ألا يتسلطوا على القاتل؛ بل يتبعونه بالمعروف بدون أذية، وبدون منة؛ لقوله تعالى: {فاتباع بالمعروف}؛ والخطاب لأولياء المقتول.
19 - ومنها: وجوب الأداء على القاتل بالإحسان، لقوله تعالى: {وأداء إليه بإحسان}.
20 - ومنها: أن الله خفف عن هذه الأمة بجواز العفو، ورحمهم بجواز أخذ العوض؛ لقوله تعالى: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة}: تخفيف على القاتل؛ ورحمة بأولياء المقتول، حيث أذن لهم أن يأخذوا عوضاً؛ وإلا لقيل لهم: إما أن تعفوا مجاناً؛ وإما أن تأخذوا بالقصاص.
21 - ومنها: إثبات الرحمة لله؛ وهي رحمة حقيقية تستلزم حصول النعم، واندفاع النقم؛ وأهل التعطيل يفسرونها بـ «الإنعام» الذي هو مفعول الرب؛ أو بـ «إرادة الإنعام»؛ وينكرون حقيقة الرحمة؛ وقد ضلوا في ذلك: فإن الإنعام، أو إرادته من آثار الرحمة، وليسا إياها.
22 - ومنها: أن المعتدي بعد انتهاء القصاص، أو أخذ الدية متوعد بالعذاب الأليم سواء كان من أولياء المقتول، أو من القاتل؛ لقوله تعالى: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}.
القرآن
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة: 179]
التفسير:
ولكم في تشريع القصاص وتنفيذه حياة آمنة -يا أصحاب العقول السليمة-؛ رجاء تقوى الله وخشيته بطاعته دائمًا.
قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، " أي ولكم فيما شرعت من القصاص حياةٌ" (?).
قال أبو العالية: "جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتُل، فتمنعه مخافة أن يُقتل" (?).
قال الثعلبي: أي: " بقاء، لأنّه إذا علم أنّه إن قتل أمسك وارتدع عن القتل. ففيه حياة للّذي يهمّ بقتله، وحياة للهام ولهذا قيل في المثل: القتل قلّل القتل" (?).