كُتِبَ القَتْلُ وَالقِتَالُ عَلَيْنَا ... وَعَلَى المُحْصَنَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ
وكذلك قول نابغة الجعدي (?):
يَا بِنْتَ عَمِّي، كِتَابُ اللهِ أَخْرَجَنِي ... عَنْكُم، فَهَلْ أَمْنَعَنَّ اللهَ مَا فَعَلا! (?)
واختلف في أصله على وجهين (?):
الوجه الأول: أن من أراد إحكام شيء والاستيثاق منه، كَتَبَه؛ لئلا ينساه، فقيل في كل مفروضٍ واجب: كتب، بمعنى: أحكم ذلك. والوجه الثاني: وقيل: أصلُه: ما كتبه الله في اللوح المحفوظ، ومن هذا قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21]، أي: قضى الله ذُلك، وفَرَغَ منه، وحَكَم به، ومثله قوله: {وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ} [الحشر: 3]، أي: حكم بإخراجهم من دورهم، وقوله: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وقوله: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِب عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} [آل عمران: 154]، كل هذا من القضاء.
قال الطبري: "وإن كان [كتب] بمعنى: فُرض، فإنه عندي مأخوذ من (الكتاب) الذي هو رسمٌ وخَط، وذلك أن الله تعالى ذكره قد كتب جميعَ ما فرَض على عباده وما هم عاملوه في اللوح المحفوظ، فقال تعالى ذكره في القرآن: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [سورة البروج: 21 - 22] وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [سورة الواقعة: 77 - 78]، فقد تبين بذلك أن كل ما فرضه علينا، ففي اللوح المحفوظ مكتوبٌ" (?).
الثاني: (كتب) بمعنى: جعل، كقوله: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22]، وقوله: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83] وقوله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156].
و{الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} هو: "المساواة فيه، وأن يقتل القاتل على الصفة، التي قتل عليها المقتول، إقامة للعدل والقسط بين العباد (?).
قال الواحدي: " وأراد بالقصاص هاهنا: المماثلة في النفوس والجروح" (?).
و{الْقِصَاصُ} يشمل إزهاق النفس، وما دونها؛ قال الله تعالى في سورة المائدة: {والجروح قصاص} [المائدة: 45]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كسر الربيع سن جارية من الأنصار: "كتاب الله القصاص" (?)؛ ولكنه تعالى هنا قال: {في القتلى}؛ وفي سورة المائدة: في القتل، وفيما دونه: {أن النفس بالنفس والعين بالعين ... } [المائدة: 45] (?).