فهذا ما أمر الله به في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2]؛ وكرر الإشارة مرة ثانية من باب التأكيد، والمدح، والثناء كأن كل جملة من هاتين الجملتين مستقلة" (?).
و(التقوى): "هي اتخاذ الوقاية من عذاب الله عز وجل بفعل أوامره، واجتناب نواهيه؛ وهذا أجمع ما قيل في تعريف التقوى" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن البر حقيقة هو الإيمان بالله ... إلخ؛ والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور: الإيمان بوجوده؛ والإيمان بربوبيته؛ والإيمان بألوهيته؛ والإيمان بأسمائه، وصفاته:
أما الإيمان بوجوده: فإنه دل عليه الشرع، والحس، والعقل، والفطرة:
أ - دلالة الشرع على وجوده سبحانه وتعالى واضحة من إرسال الرسل، وإنزال الكتب.
ب - دلالة الحس: فإن الله سبحانه وتعالى يدعى، ويجيب؛ وهذا دليل حسي على وجوده - تبارك وتعالى، كما في سورة الأنبياء، وغيرها من إجابة دعوة الرسل فور دعائهم، كقوله تعالى: {ونوحاً إذا نادى من قبل فاستجبنا له} [الأنبياء: 76]، وقوله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له} [الأنبياء: 83، 84].
ج - دلالة العقل: أنّ ما من حادث إلا وله محدث، كما قال عز وجل: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور: 35]؛ هذا الكون العظيم بما فيه من النظام، والتغيرات، والأحداث لا بد أن يكون له موجِد مُحدِث يحدث هذه الأشياء - وهو الله عز وجل؛ إذ لا يمكن أن تَحدث بنفسها؛ لأنها قبل الوجود عدم؛ والعدم - كاسمه لا وجود له؛ ولا يمكن أن يحدثها مخلوق لِما فيها من العظم والعبر.
د - دلالة الفطرة: فإن الإنسان لو ترك وفطرته لكان مؤمناً بالله؛ والدليل على هذا قوله تعالى: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء: 44]؛ حتى غير الإنسان مفطور على معرفة الرب عز وجل.
وأما الإيمان بربوبيته: فهو الإيمان بأنه وحده الخالق لهذا الكون المالك له المدبر له؛ وقد دل عليه ما سبق من الأدلة على وجوده؛ وقد أقر بذلك المشركون، كما في قوله تعالى: {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله}؛ إلى غيرها من الآيات الكثيرة.
وأما الإيمان بألوهيته: فهو الإيمان بأنه لا إله في الوجود حق إلا الله عز وجل وكل ما سواه من الآلهة باطلة، كما قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} [الحج: 62]، فالله سبحانه وتعالى هو الإله الحق.
وأما الإيمان بأسمائه، وصفاته: فهو الإيمان بما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه، أو أثبتته له رسله من الأسماء والصفات إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل على حد قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]؛ وقوله تعالى: {ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} [النحل: 60] ووجه الدلالة: تقديم الخبر في الآيتين؛ لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.
2 - ومن فوائد الآية: أن طاعة الله عز وجل من البر.
3 - ومنها: أن الإيمان باليوم الآخر من البر؛ ويشمل كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، كفتنة القبر، ونعيمه، وعذابه، وقيام الساعة، والبعث، والحساب، والصراط، والميزان، والكتب