وقال الشيخ ابن عثيمين: "وهو المستجدي الذي يطلب أن تعطيه مالاً؛ وإنما كان إعطاؤه من البر؛ لأن معطيه يتصف بصفة الكرماء؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يُسأل على الإسلام شيئاً إلا أعطاه؛ والسائل نوعان؛ سائل بلسان المقال: وهو الذي يقول للمسؤول: أعطني كذا؛ وسائل بلسان الحال: وهو الذي يُعَرِّض بالسؤال، ولا يصرح به، مثل أن يأتي على حال تستدعي إعطاءه" (?).
وقوله تعالى {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177]، " أي: وفي تخليص الأسرى والأرقاء بالفداء" (?).
قال سعيد بن جبير: "يعني: فكاك الرقاب" (?).
قال الطبري: " بأداء كتاباتهم التي فارقوا عليها سادَاتهم" (?).
قال ابن كثير: " وهم: المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم." (?).
قال ابن عثيمين: " أي في إعتاق الرقاب، أو فكاكها من الأسر" (?).
وفي وقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177]، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم المكاتبون، يعطون من الصدقات ما يفكون به رقابهم. وهذا اختيار أكثر المفسرين (?).
الثاني: أن المراد بها جمع رقبة، والرقبة هي: العبد الذي يشترى فيعتق، قاله ابن عباس في رواية مجاهد عنه، ومالك وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين عنه (?).
الثالث: أن المراد بها فداء الأسرى (?).
والأظهر في هذه الآية الحمل على الأقوال الثلاثة جميعها، وأن الآية تشمل كل ذلك، وسبب الخلاف خلاف أهل العلم في هل يجوز إعطاء الزكاة لغير المكاتب من هؤلاء الثلاثة أم لا، فمن قال: نعم عمم، ومن قال: لا قَصَر الرقاب على المكاتبين، وعندي أن الخلاف يمكن أن يكون في آية التوبة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]، أما هذه ففيها (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] ... وهو عام في الزكاة والتطوع فقصره على الزكاة وتقييد عموم اللفظ به تحكم لا وجه له. والله أعلم (?)،
قوله تعالى: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ} [البقرة: 177]، أي: "أدام العمل بالصلاة بحدودها" (?).
قال سعيد بن جبير: " يعني وأتم الصلاة المكتوبة" (?)، وروي عن مقاتل بن حيان (?) نحو ذلك.
قال الثعلبي: أي: " وأقام الصلاة المفروضة" (?).
قال ابن كثير: " أي: وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي" (?).
قال ابن عثيمين: يعني "الإتيان بها مستقيمة؛ لأن أقام الشيء يعني جعله قائماً مستقيماً؛ وليس المراد بإقامة الصلاة الإعلام بالقيام إليها؛ واعلم أن «الصلاة» من الكلمات التي نقلها الشارع عن معناها اللغوي إلى معنى شرعي؛ فمعناها في اللغة: الدعاء، كما قال تعالى: {وصلّ عليهم} [التوبة: 103] أي ادْعُ لهم بالصلاة، فقل: صلى الله عليكم؛ ولكنها في الشرع: عبادة ذات أقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم" (?).
قوله تعالى: {وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة: 177]، أي: "وأعطا الزكاة على مَا فَرضها الله عليه" (?).
قال سعيد بن جبير: " يعني: الزكاة المفروضة" (?). وروي عن مقاتل بن حيان (?) نحو ذلك.
قال الثعلبي: أي: " وآتى الزكاة الواجبة" (?).
وذكروا في قوله تعالى: {وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة: 177]، وجهين (?):
أحدهما: أن يكون المراد به زكاة النفس، وتخليصها من الأخلاق الدنية الرذيلة، كقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10] وقول موسى لفرعون: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 18، 19] وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7].
والثاني: أن يكون المرادُ زكاة المال. قاله سعيد بن جبير (?)، ومقاتل بن حيان (?)، ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين إنما هو التطوع والبر والصلة؛ وجاء في الحديث أن فاطمة بنت قيس قالت: " سألت أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة، فقال: "إن في المال لحقا سوى الزكاة"، ثم تلا هذه الآية التي في البقرة {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}، الآية" (?).
والقول الثاني هو الأقرب الى الصواب، وذلك لأنه أليق سبياق الآية. والله أعلم.
قال الشيخ ابن عثيمين: " و (الزكاة) أيضاً من الكلمات التي نقلها الشرع عن معناها اللغوي إلى معنى شرعي؛ فالزكاة في اللغة من زكا يزكو - أي نما، وزاد؛ وبمعنى الصلاح؛ ومنه قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها} [الشمس: 9] أي أصلحها، وقومها؛ لكن في الشرع «الزكاة» هي التعبد ببذل مال واجب في مال