وقال أبو مالك: "يعني خرسا عن الكلام بالإيمان، فلا يستطيعون الكلام" (?).
قوله تعالى: {عُمْيٌ} [البقرة: 171]، أي: "عُمْيٌ عن رؤية طريق الحق ومسلكه" (?).
إذ " شبه عدم إدراكهم الحق الذي بدت معالمه، وظهر نوره بحال الأعمى الذى لا يبصر، قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] " (?).
قال الماوردي: أي: " عمي عن الرشد فلا يبصرونه" (?).
قال الثعلبي: أي: " عمي عن الهدي فلا يبصرونه" (?).
قال الصابوني: أي: "كالعمي لا يبصرون الهدى ولا يتبعون سبيله" (?).
قال الزجاج: " لأنهم في تركهم ما يبصرون من الهداية بمنزلة العمي" (?).
قال ابن عباس: "لا يبصرونه" (?). أي الهدى. وروي نحوه عن السدي (?)، وقتادة" (?).
والعمى: ذهاب البصر، وقد عمي فهو أعمى، وقوم عمي، وأعماه الله، وتعامى الرجل: أرى ذلك من نفسه. وعمي عليه الأمر إذا التبس، ومنه قوله تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ} [القصص: 66] (?).
وليس الغرض مما ذكرناه نفي الإدراكات عن حواسهم جملة، وإنما الغرض نفيها من جهة ما، تقول: فلان أصم عن الخنا، كما قالوا (?):
أصم عما ساءه سميع
أي: لا يسمع ما ساءه مع كونه سميعا، يضرب مثلا للرجل يتغافل عما يكره.
وقال آخر (?):
وَعَوْرَاءُ اللِّئَامِ صَمَمْتُ عَنْهَا ... وَإِنِّي لَوْ أَشَاءُ بِهَا سَمِيعُ
وقال مسكين الدارمي (?):
أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ ... حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي السِّتْرُ
وَأَصَمُّ عَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا ... سَمْعِي وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرِ
فوصف نفسه لتركه النظر والاستماع بالعمى والصمم.