وعلى هذا القول: أضيف (المثل) إلى {الذين كفروا}، وترك ذكر (الوعظ والواعظ)، لدلالة الكلام على ذلك، كما قال الشاعر (?):
فَلَسْتُ مُسَلِّمًا مَا دُمْتُ حَيًّا ... عَلَى زَيْدٍ بِتَسْلِيمِ الأمِير
يراد به: كما يُسلِّم على الأمير (?).
القول الثاني: أن معنى الآية: ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله، كمثل المنعوق به من البهائم، الذي لا يَفقه من الأمر والنهي غير الصوت. وذلك أنه لو قيل له: اعتلف، أورِدِ الماء، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله، فكذلك الكافر، مَثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه - بسوء تدبُّره إياه وقلة نظره وفكره فيه - مَثلُ هذا المنعوق به فيما أمِر به ونُهِي عنه. فيكون المعنى للمنعوق به، والكلام خارجٌ على الناعق، كما قال نابغة بني ذبيان (?):
وَقَدْ خِفْتُ، حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي المَطَارَة عَاقِلِ
والمعنى: حتى مَا تزيدُ مخافة الوعل على مخافتي، وكما قال الآخر نابغة الجعدي (?):
كَانَتْ فَرِيضَةُ مَا تَقُولُ، كَمَا ... كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ
والمعنى: كما كان الرجمُ فريضة الزنا، فجعل الزنا فريضة الرجم، لوضوح معنى الكلام عند سامعه، وكما قال الآخر (?):
إنّ سِرَاجًا لَكَرِيمٌ مَفْخَرُه ... تَحْلَى بِهِ العَيْنُ إذَا مَا تَجْهَرُهْ
والمعنى: يَحلى بالعين، فجعله تحلى به العين.