قال السعدي: " أخبر تعالى، أن مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت، الذي تقوم به عليهم الحجة، ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم" (?).
قال ابن عثيمين: "فهؤلاء الكفار مثلهم، كمثل إنسان يدعو بهائم لا تفهم إلا الصوت دعاءً، ونداءً؛ و «الدعاء» إذا كان يدعو شيئاً معيناً باسمه؛ و «النداء» يكون للعموم؛ هناك بهائم يسميها الإنسان باسمها بحيث إذا ناداها بهذا الاسم أقبلت إليه؛ والنداء العام لجميع البهائم هذا لا يختص به واحدة دون أخرى؛ فتقبل الإبل جميعاً؛ لكن مع ذلك لا تقبل على أساس أنها تعقل، وتفهم، وتهتدي؛ ربما يناديها لأجل أن ينحرها؛ هؤلاء الكفار مثلهم - في كونهم يتبعون آباءهم بدون أن يفهموا هذه الحال التي عليها آباؤهم - كمثل هذا الناعق بالماشية التي لا تسمع إلا دعاءً، ونداءً" (?).
وقوله: {يَنعِق}، معناه: يُصوِّت بالغنم، النَّعيق، والنُّعاق، ومنه قول الأخطل (?):
فَانْعِقْ بِضَأْنِكَ يَا جَرِيرُ، فَإِنَّمَا ... مَنَّتْكَ نَفْسَكَ فِي الخَلاءِ ضَلالا
يعني: صوِّت به (?).
واختلف في تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً} على طريقين (?):
الطريق الأول في الآية: التفسير بإضمار في الآية.
وقد اختلفوا في تقدير الإضمار على النحو الآتي:
أولا: فقال: الأخفش (?)، والزجاج (?)، وابن قتيبة (?): أن تقدير الآية: ومثلك يا محمد، ومثل الذين كفروا في وعظهم ودعائهم إلى الله عز وجل؛ فحذف أحد المثلين اكتفاء بالثاني، كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81]، وعلى هذا التقدير: شبه الكفار بالبهائم، وشبه داعيهم بالذي يصيح بها، وهي لا تعقل شيئا.
ثانيا: وذكر الفراء: في هذه الآية قولين (?):
القول الأول: أن تقدير الآية: ومثل واعظ الذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم، فحذف كما قال: {واسأل القرية} [يوسف: 82]، أي: أهلها" (?).
وهذا معنى قول ابن عباس (?)، وعكرمة (?)، ومجاهد (?)، وقتادة (?)، والربيع (?)، وعطاء (?)، والسدي (?)، وهو اختيار الفراء (?).