قال ابن كثير: "تارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب، تارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه، وتارة تجمعه، وتارة تفرقه، وتارة تصرفه" (?).

عن أبي بن كعب، قال: "كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب" (?).

و(الرِّيَاحِ) جمع ريح؛ وهي الهواء؛ وفي قراءة: {الريح} بالإفراد (?)؛ والمراد به الجنس؛ والتصريف يشمل تصريفها من حيث الاتجاه؛ تصريفها من حيث الشدة، وعدمها؛ تصريفها من حيث المنافع، وعدمها؛ فمن حيث الاتجاه جعلها الله سبحانه وتعالى متجهة جنوباً، وشمالاً، وغرباً، وشرقاً؛ وهذه هي أصول الجهات؛ وهناك جهات أخرى تكون بينها؛ وتسمى النكبة؛ لأنها ليست في الاستقامة في الشرق، أو الغرب، أو الشمال، أو الجنوب؛ فهي نكباء - ناكبة عن الاتجاه الأصلي (?).

قال ابن الأنباري: "إنما سميت الريح ريحا؛ لأن الغالب عليها في هبوبها المجيء بالروح والراحة، وانقطاع هبوبها يكسب الكرب والغم، فهي مأخوذة من الروح. وأصلها: روح، فصارت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، كما فعلوا في الميزان والميعاد والعيد، والدليل على أن أصلها الواو: قولهم في الجمع: أرواح.

قال زهير (?):

قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بلى وغيرها الأرواح والديم

ويقال: رحت الريح أراحها، وأرحتها أريحها: إذا وجدتها، ومنه الحديث: "من استرعي رعية فلم يحطهم بنصيحة، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة مائة عام" (?) " (?).

وفي قوله تعالى: {وَتَصْرِيفَ الرِّيَاحِ} [البقرة: 164]، وجهان (?):

أحدهما: اختلاف هبوبها في انتقال الشمال جنوبها، والصبا دبوراً، فلا يعلم لانتقالها سبب، ولا لانصرافها جهة.

والثاني: ما جعله في اختلافها من إنعام ينفع، وانتقام يؤذي.

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {وَتَصْرِيفَ الرِّيَاحِ} [البقرة: 164]، على وجهين (?):

أحدهما: قرأ حمزة والكسائي: {الريح} على الإفراد، وكذا في: (الأعراف والكهف وإبراهيم والنمل والروم وفاطر والشورى والجاثية)، لا خلاف بينهما في ذلك، ووافقهما ابن كثير في: (الأعراف والنمل والروم وفاطر والشورى)، وأفرد حمزة {الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]. وأفرد ابن كثير {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} [الفرقان: 48].

الثاني: وقرأ الباقون {الرِّيَاحِ}، بالجمع في جميعها سوى الذي في: (إبراهيم والشورى) فلم يقرأهما بالجمع سوى نافع، ولم يختلف السبعة فيما سوى هذه المواضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015