وقد اعترض القرطبي على القول الأخير، لكونه يخالف ما جاء في الحديث، في قوله تعالى: {يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}، قال-عليه السلام-: "دواب الأرض" (?).
قال القرطبي: " فإن قيل: كيف جمع من لا يعقل جمع من يعقل؟ قيل: لأنه أسند إليهم فعل من يعقل، كما قال: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] ولم يقل ساجدات، وقد قال: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت: 21]، وقال: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} [الأعراف: 198]، ومثله كثير" (?).
والصواب أن (اللاعنون)، هم: الملائكةُ والمؤمنون، "لأن الله تعالى ذكره قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحلّ بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين، فقال تعالى ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، فكذلك اللعنة التي أخبر الله تعالى ذكره أنها حَالَّة بالفريق الآخر: الذين يكتمونَ ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس، هي لعنة الله، ولعنة الذين أخبر أن لعنتهم حالّة بالذين كفروا وماتوا وهم كفار، وهم " اللاعنون "، لأن الفريقين جميعًا أهلُ كفر" (?). والله أعلم.
وقد ورد في الحديث المسند من طرق يشد بعضها بعضًا، عن أبي هريرة، وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سُئِل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار" (?).
والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: "لولا آية في كتاب الله ما حدثتُ أحدًا شيئًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآية" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن كتم العلم من كبائر الذنوب؛ يؤخذ من ترتيب اللعنة على فاعله؛ والذي يرتب عليه اللعنة لا شك أنه من كبائر الذنوب.
قال الحافظ ابن حجر: إن"هذه الآية تحرض على التبليغ، وهي وإن نزلت في أهل الكتاب (?)، لكن العبرة بعموم اللفظ" (?).