وقال سعيد بن جبير: " مَا أعطِيَ أحدٌ ما أعطيت هذه الأمة: {الذينَ إذا أصابتهم مصيبه قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صَلواتٌ من رَبهم وَرحمة}، ولو أعطيها أحدٌ لأعطيها يعقوب عليه السلام، ألم تسمعْ إلى قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [سورة يوسف: 84] " (?).
قال أبو بكر الوراق: " {إنا لله}: اقرار منا له بالملك، {وإنا إليه راجعون}: في الآخرة، إقرار على أنفسنا بالهلاك" (?).
قال عليه السلام: " من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلقاً يرضاه " (?).
وعن جويبر، عن الضحاك، قال: "كتب إليه رجل يسأله عن هذه الآية الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أخاصة هي؟ أو عامة؟ قال: هي لمن آمن بالتقوى وأدى الفرائض" (?).
قال الراغب: "وحقيقة الرجوع إليه تتبين في قوله- عز وجل- {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} فهو أدق معنى مما قدره من قال: (إنا راجعون) إلى أن لا يملك أمورنا غيره كما كنا في الابتداء، فجعل ذلك رجوعأ لهم" (?).
قال القرطبي: جعل الله تعالى هذه الكلمات: {قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين: لما جمعت من المعاني المباركة، فإن قوله: (إِنَّا لِلَّهِ) توحيد وإقرار بالعبودية والملك. وقوله: {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} إقرار بالهلك على أنفسنا والبعث من قبورنا، واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له" (?).
وللمفسرين في هاتين الجملتين المقولتين: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، أقوال (?):
أحدها: أن نفوسنا وأموالنا وأهلينا لله لا يظلمنا فيما يصنعه بنا. الثاني: أسلمنا الأمر لله ورضينا بقضائه، {وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} يعني: للبعث لثواب المحسن ومعاقبة المسيء.
الثالث: راجعون إليه في جبر المصاب وإجزال الثواب.
الرابع: أن معناه إقرار بالمملكة في قوله: {إِنَّا لِلَّهِ}، وإقرار بالهلكة في قوله: {وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.
قال أبو حيان: " واشتملت الآية على فرض ونفل. فالفرض: التسليم لأمر الله، والرضا بقدره، والصبر على أداء فرائضه. والنفل: إظهاراً لقول {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، وفي إظهاره فوائد منها: غيظ الكفار لعلمهم بجده في طاعة الله" (?).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن من سمة الصابرين تفويض أمرهم إلى الله بقلوبهم، وألسنتهم إذا أصابتهم المصائب؛ لقوله تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}.
2 - ومنها: مشروعية هذا القول؛ وقد جاءت السنة بزيادة: «اللهم أْجُرني في مصيبتي» - أي أثبني عليها - «وأخلف لي» بقطع الهمزة - أي اجعل لي خلفاً «خيراً منها» (?) والدليل على هذا قصة أم سلمة رضي الله