تعريفه دونه؛ كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]، وقوله لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، وكل ذلك لم يَنْفِ العلو؛ فهو سبحانه وتعالى مُسْتَوٍ على عَرْشِه، بائِن (مُنْفَصِل) مِن خَلْقِه، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وليس معنى مَعِيَّته مع عِبادِه أن يكون ذلك بالجوارح، أو أنه تعالى مختلط بالخَلْق؛ فهو خلاف ما أجمع عليه سَلَفُ الأُمَّة وخِلاف ما فَطَرَ اللهُ عليه الخَلْق، بل القمر آية من آيات الله، ومن أصْغَر مَخْلُوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المُسافر وغير المسافر، أينما كان ومن أشار إلى غير هذا، فإنما يشير إلى الإلحاد والحلول والاتحاد، والله ورسوله بَرِيئانِ مِنه (?).
وقد قال تعالى: {مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، لثلاثة وجوه (?):
الوجه الأول: أن الصلاة من الصبر؛ لأنها صبر على طاعة الله.
الوجه الثاني: أن الاستعانة بالصبر أشق من الصلاة؛ لأن الصبر مُرّ: الصبر مثل اسمه مُرٌّ مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل فهو مرٌّ يكابده الإنسان، ويعاني، ويصابر، ويتغير دمه حتى من يراه يقول: هذا مريض.
الوجه الثالث: أنه إذا كان مع الصابرين فهو مع المصلين من باب أولى بدليل أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان المصلي يناجي ربه، وأن الله قِبل وجهه (?) - وهو على عرشه سبحانه وتعالى.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: فضيلة الإيمان، وأنه من أشرف أوصاف الإنسان؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ... }.
2 - ومنها: الإرشاد إلى الاستعانة بالصلاة؛ لقوله تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة}.
3 - ومنها: بيان الآثار الحميدة للصلاة، وأن من آثارها الحميدة أنها تعين العبد في أموره.
4 - ومنها: جواز الاستعانة بغير الله فيما يمكن أن يعين فيه؛ لقوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وجاء في الحديث: «وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة» (?).
5 - ومنها: أن الاستعانة بالصلاة من مقتضيات الإيمان؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا ... } إلخ.
6 - ومنها: فضيلة الصبر؛ لأنه يعين على الأمور؛ والصبر ثقيل جداً على النفس؛ لأن الإنسان إذا أصابه ضيق، أو بلاء ثقل عليه تحمله، فاحتاج إلى الصبر؛ ولهذا قال الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} [هود: 49]؛ فقال تعالى: {فاصبر} إشارة إلى أن هذا الوحي الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى صبر، وتحمل؛ لأنه سيجد من ينازع، ويضاد؛ ونظيره قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} [الإنسان: 23، 24]؛ إذاً الصبر شاق على النفوس؛ لكن يجب على الإنسان أن يصبر؛ ولهذا من لم يوفق للصبر فاته خير كثير؛ والذي يصبر أيضاً غالباً ينتظر الفرج لا سيما إذا صبر بإخلاص، وحسن نية؛ وانتظار الفرج عبادة، وباب للفرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر؛ وأن الفرج مع الكرب؛ وأن مع العسر يسراً» (?)؛ لأنه إذا كان منتظراً للفرج هان عليه الصبر؛ لأنه يؤمل أن الأمور ستزول، وأن دوام الحال من المحال؛ فإذا كان يؤمل الأجر في الآخرة، ويؤمل الفرج في الدنيا هان عليه الصبر كثيراً؛ وهذه لا شك من الخصال الحميدة التي جاء بها