وقد ذكر الصبر في القرآن الكريم، في (اثنان وثمانون) موضعاً في المدح، وموضعان في الذم، أما موضعا الذم فقوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21]، وقوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 6].

و(الاستعانة) هي "طلب العون؛ و "الاستعانة بالصبر" أن يصبر الإنسان على ما أصابه من البلاء، أو حُمِّل إياه من الشريعة" (?).

قال الواحدي: "فالاستعانة بالصبر: هو أن يستعين على دينه بحبس النفس عن الشهوات والمحارم، وحبسها على الطاعات" (?).

قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]؛ أي: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، ونبرأ من كل معبود دونك ومن عابديه، ونبرأ من الحول والقوة إلا بك، فلا حَوْلَ لأحد عن معصيتك ولا قوة على طاعتك إلا بتوفيقك ومعونتك، وقال عن نبيه يعقوب عليه السلام: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبدالله بن عباس رضى الله عنهما: "إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِن بالله" (?)، وقال في دعائه: "اللَّهُمَ أعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ " (?).

وفي سبب تخصيص الإستعانة بالصبر والصلاة وجهان (?):

أحدهما: أنه تعالى خصهما بذلك، لما فيهما من المعونة على العبادات، أما الصبر فهو قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله تعالى وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع، ومن حمل نفسه وقلبه على هذا التذليل سهل عليه فعل الطاعات وتحمل مشاق العبادات، وتجنب المحظورات ومن الناس من حمل الصبر على الصوم.

والثاني: ومنهم من حمله على الجهاد لأنه تعالى ذكر بعده: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله} [البقرة: 154] وأيضا فلأنه تعالى أمر بالتثبت في الجهاد فقال: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا} [الأنفال: 45] وبالتثبت في الصلاة أي في الدعاء فقال: {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} [آل عمران: 147].

والقول الأول أولى، وذلك لعموم اللفظ وعدم تقييده، والاستعانة بالصلاة لأنها يجب أن تفعل على طريق الخضوع والتذلل للمعبود والإخلاص له، ويجب أن يوفر همه وقلبه عليها وعلى ما يأتي فيها من قراءة فيتدبر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ومن سلك هذه الطريقة في الصلاة فقد ذلل نفسه لاحتمال المشقة فيما عداها من العبادات ولذلك قال: {اتل ما أوحى إليك من الكتاب} [العنكبوت: 45] ولذلك نرى أهل الخير عند النوائب متفقين على الفزع إلى الصلاة، وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (?).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، أي إن الله مع الصابرين"بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015