{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)} [البقرة: 146]

التفسير:

الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل من أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله بأوصافه المذكورة في كتبهم، مثل معرفتهم بأبنائهم. وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون صِدْقه، وثبوت أوصافه.

في سبب نزول الآية: قال الواحدي: " نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنعته وصفته وبعثه في كتابهم كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان؛ قال عبد الله بن سلام: لأنا أشد معرفة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني بابني، فقال له عمر بن الخطاب: وكيف ذاك يا ابن سلام؟ قال: لأني أشهد أن محمدا رسول الله حقا يقينا، وأنا لا أشهد بذلك على ابني، لأني لا أدري ما أحدث النساء، فقال عمر: وفقك الله يا ابن سلام" (?).

قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]، " أي إن اليهود والنصارى يعرفون أن محمدا النبي الأمى خاتم الرسل كما يعرفون أبناءهم" (?).

قال الثعلبي: " يعني محمدا كما يعرفون أبناءهم من بين النصارى" (?).

قال البيضاوي: " أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم لا يلتبسون عليهم بغيرهم" (?).

قال المراغي: " هذا كالدليل لما ذكر فى قوله: {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}، فكأنه قال: إن سبب العلم بأنه الحق، أنهم يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبهم من البشارة به ومن نعوته وصفاته التي لا تنطبق على غيره، كما يعرفون أبناءهم الذين يربّونهم ويحوطونهم بعنايتهم، فلا يفوتهم شاء من أمرهم" (?).

واختلف في عود الضمير في قوله تعالى {يَعْرِفُونَهُ} [البقرة: 146]، على ثلاثة أوجه (?):

أحدها: أنه عائد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي: يعرفونه معرفة جلية، يميزون بينه وبين غيره كما يعرفون أبناءهم، لا تشتبه عليهم وأبناء غيرهم. قاله ابن عباس (?)، مجاهد (?) وقتادة (?) وغيرهما، وهو قول أكثر المفسرين (?).

قال البيضاوي: " الضمير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه" (?).

الثاني: أنه راجع إلى أمر القبلة: أي علماء أهل الكتاب يعرفون أمر تحويل القبلة التي نقلت إليها كما يعرفون أبناءهم. قاله أبوالعالية وقتادة والسدي ومقاتل وروي عن ابن عباس أيضا (?)، واختاره الإمام الطبري (?).

الثالث: أنه يرجع إلى القرآن. حكاه البيضاوي (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015