هل بُلِّغتم؟ فيقولون: ما جاءنا من بشير، ولا نذير؛ ما جاءنا من أحد؛ فيقال للرسول: من يشهد لك؟ فيقول: «محمد، وأمته»؛ يُستشهدون يوم القيامة، ويَشهدون؛ فيكونون شهداء على الناس.
فإذا قال قائل: كيف تشهد وهي لم تر؟ نقول: لكنها سمعت عمن خبره أصدق من المعاينة - صلوات الله وسلامه عليه.
5 - من فوائد الآية: أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- يكون شهيداً علينا يوم القيامة - شهيداً علينا بالعدالة؛ وقيل: شهيداً علينا بأنه بلغ البلاغ المبين؛ وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال يوم عرفة في أعظم مجمع حصل له مع الصحابة: "ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم؛ قال: اللهم اشهد؛ ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم؛ قال: اللهم اشهد؛ ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم؛ قال: اللهم اشهد" (?)؛ فأشهد النبي صلى الله عليه وسلم ربه على إقرار أمته بالبلاغ؛ نعم؛ لقد بلغ البلاغ المبين -صلى الله عليه وسلم-، فترك أمته على المحجة البيضاء؛ وما مات حتى أكمل الله به الدين؛ وما بقي شيء يحتاج الناس إليه في دينهم صغيراً كان، أو كبيراً إلا بينه -صلى الله عليه وسلم- بياناً واضحاً - والحمد لله - فالرسول صلى الله عليه وسلم شهيد على هذه الأمة؛ قال الله تعالى في سورة النساء: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} [النساء: 41]، يعني: كيف تكون الحال في ذلك اليوم عظيم؛ ولهذا لما قرأ ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم، ووصل إلى هذه الآية قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «حسبك» يعني: قف؛ قال: "فإذا عيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان" (?)؛ لأن الأمر العظيم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم شهيد علينا؛ يشهد بأننا بُلِّغنا، وأقيمت علينا الحجة، وما بقي لنا عذر بأيّ وجه من الوجوه؛ ولهذا لا عذر لأحد بعد أن يتبين له الهدى أن يشاق الله ورسوله، كما قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} [النساء: 115].
6 - ومن فوائد الآية: إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {ويكون الرسول عليكم شهيداً}.
7 - ومنها: أنه لا رسول بعده؛ لأن «أل» هنا للعهد، وهو يخاطب هذه الأمة؛ فالرسول المعهود فيها واحد؛ وهو محمد صلى الله عليه وسلم؛ ويلزم من ذلك أن لا يكون بعده رسول.
8 - ومنها: أن الله سبحانه وتعالى قد يمتحن العباد بالأحكام الشرعية إيجاباً، أو تحريماً، أو نسخاً؛ لقوله تعالى: {ما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}؛ فلينتبه الإنسان لهذا؛ فإن الله قد يبتليه بالمال بأن يعطيه مالاً ليبلوه أيقوم بواجبه، أم لا؛ وهذه محنة؛ لأن غالب من ابتلي بالمال طغى من وجه، وشح من وجه آخر؛ ثم اعتدى في تمول المال؛ فضَلَّ في تموله، والتصرف فيه، وتصريفه؛ وقد يبتليه بالعلم؛ فيرزقه علماً ليبلوه أيعمل به، أم لا؛ ثم هل يعلمه الناس، أم لا؛ ثم هل يدعو به إلى سبيل الله، أم لا؛ فليحذر من آتاه الله علماً أن يخل بواحد من هذه الأمور.
وكذلك قد يمتحن العباد بالأحكام الكونية؛ ومنها ما يجري على العبد من المصائب.
ومن امتحانه بهما أن الله حرم الصيد على المحرِم، ثم أرسله على الصحابة وهم محرِمون حتى تناله أيديهم، ورماحهم.
9 - ومن فوائد الآية: وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {لنعلم من يتبع الرسول فالله امتحن العباد ليعلم هل يتبعون الرسول؛ والصحابة رضي الله عنهم اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك أشد الاتباع: جاءهم رجل وهم يصلون الفجر في قباء وهم ركوع، فقال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة القرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشأم؛ فاستداروا إلى