وقال العلماء: إن الرأفة أشد الرحمة؛ فهي رحمة خاصة؛ و (رَحِيمٌ) أي متصف بالرحمة؛ وقالوا: إنه قدمت (لَرَءُوفٌ) على (رَحِيمٌ) - مع أن (الرؤوف) أبلغ - من أجل مراعاة الفواصل؛ وقال تعالى: (رَحِيمٌ)، لأن هذا يتعلق بفعله - أي برحمته الخلق (?).
قال القفال -رحمه الله-: "الفرق بين الرأفة والرحمة: أن الرأفة مبالغة في رحمة خاصة وهي دفع المكروه وإزالة الضرر كقوله: {ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله} (النور: 2) أي لا ترأفوا بهما فترفعوا الجلد عنهما، وأما الرحمة فإنها اسم جامع يدخل فيه ذلك المعنى ويدخل فيه الإفضال والإنعام، وقد سمى الله تعالى المطر رحمة فقال: {وهو الذى يرسل الرياح * بشرا بين * يدى رحمته} (الأعراف: 57) لأنه إفضال من الله وإنعام، فذكر الله تعالى الرأفة أولا بمعنى أنه لا يضيع أعمالهم ويخفف المحن عنهم، ثم ذكر الرحمة لتكون أعم وأشمل، ولا تختص رحمته بذلك النوع بل هو رحيم من حيث أنه دافع للمضار التي هي الرأفة وجالب للمنافع معا" (?).
وقد ذكروا في وجه تعلق هذين الاسمين (الرءوف الرحيم) بما قبلهما وجوها (?):
أحدها: أنه تعالى لما أخبر أنه لا يضيع إيمانهم قال: {إن الله بالناس لرءوف رحيم} [الحج: 65] والرؤف الرحيم كيف يتصور منه هذه الإضاعة.
وثانيها: أنه لرؤف رحيم فلذلك ينقلكم من شرع إلى شرع آخر وهو أصلح لكم وأنفع في الدين والدنيا.
وثالثها: قال: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} فكأنه تعالى قال: وإنما هداهم الله ولأنه رؤف رحيم.
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: فضيلة هذه الأمة حيث هداها الله إلى استقبال بيته الذي هو أول بيت وضع للناس؛ وروى الإمام أحمد في مسنده أن مما يحسدنا عليه اليهود القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها؛ فهم يحسدوننا على هذه الخصلة؛ وكذلك على يوم الجمعة، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين (?)؛ المهم أن استقبال القبلة مما حسدونا عليه؛ لأن الكعبة أول بيت وضع للناس، وأعظم بيت في الأرض؛ ولا يوجد بيت قصده ركن من أركان الإسلام للحج إلا الكعبة؛ ولذلك حسدنا اليهود عليها، وأثاروا ضجة عظيمة على التولي عن قبلتهم إلى الكعبة، وصاروا مع من يناصرهم من المشركين؛ أحدثوا أمراً عظيماً حتى إن بعض المسلمين ارتد - والعياذ بالله - عن الإسلام لما سمع من زخرف القول من هؤلاء اليهود، وغيرهم.
2 - ومن فوائد الآية: فضل هذه الأمة على جميع الأمم؛ لقوله تعالى: {وسطاً}.
3 - ومنها: عدالة هذه الأمة؛ لقوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}؛ والشهيد قوله مقبول؛ والمراد بـ «الأمة» هنا أمة الإجابة؛ ومن هنا نعرف حذق أهل الفقه، حيث قالوا: إن «العدل» من استقام على دين الله؛ يعني: هذه الأمة أمة وسط إذا كانت على دين الرسول صلى الله عليه وسلم فتكون شهيداً، وتقبل شهادتها إذا استقامت على دين الله، وكانت أمة حقيقية؛ فعلية يؤخذ من هذا حدّ «العدل»: أن العدل من استقام على دين الله.
4 - من فوائد الآية: أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة؛ لقوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}؛ والشهادة تكون في الدنيا، والآخرة؛ فإذا حشر الناس، وسئل الرسل: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم؛ ثم تسأل الأمم: