والثاني: أنها سميت إيمانا، إذ هي من شعب الإيمان.

قال ابن عثيمين: "والمراد بـ (إِيمَانَكُمْ)، صلاتهم إلى بيت المقدس؛ وهذا عام للذين ماتوا قبل تحويل القبلة، ومن بقوا حتى حولت، «ما كان الله ... » في القرآن فهي الأمر الممتنع غاية الامتناع؛ مثل: «لا ينبغي»، أو «ما ينبغي» فالمراد أنه ممتنع مستحيل، كقوله تعالى: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40]، وقوله تعالى: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً} [مريم: 92] أي ممتنع مستحيل؛ وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام" (?)، المعنى: أنه مستحيل" (?).

قال الرازي: "فإن قيل: إذا كان الشك إنما تولد من تجويز البداء على الله تعالى فكيف يليق ذلك بالصحابة؟ قلنا: الجواب من وجوه:

أحدها: أن ذلك الشك وقع لمنافق فذكر الله تعالى ذلك ليذكره المسلمون جوابا لسؤال ذلك المنافق.

وثانيها: لعلهم اعتقدوا أن الصلاة إلى الكعبة أفضل فقالوا: ليت إخواننا ممن مات أدرك ذلك، فذكر الله تعالى هذا الكلام جوابا عن ذلك.

وثالثها: لعله تعالى ذكر هذا الكلام ليكون دفعا لذلك السؤال لو خطر ببالهم" (?).

وقد اختلفوا في الخطاب الموجه في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، على قولين (?):

القول الأول: أن الخطاب مع المؤمنين.

وقد ذكر القفال على هذا القول، أربعة أوجه (?):

الوجه الأول: أن الله خاطب به المؤمنين الذين كانوا موجودين حينئذ، وذلك جواب عما سألوه من قبل.

الثاني: أنهم سألوا عمن مات قبل نسخ القبلة فأجابهم الله تعالى بقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي وإذا كان إيمانكم الماضي قبل النسخ لا يضيعه الله فكذلك إيمان من مات قبل النسخ.

الثالث: يجوز أن يكون الأحياء قد توهموا أن ذلك لما نسخ بطل، وكان ما يؤتى به بعد النسخ من الصلاة إلى الكعبة كفارة لما سلف واستغنوا عن السؤال عن أمر أنفسهم لهذا الضرب من التأويل فسألوا عن إخوانهم الذين ماتوا ولم يأتوا بما يكفر ما سلف فقيل: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} والمراد أهل ملتكم كقوله لليهود الحاضرين في زمان محمد صلى الله عليه وسلم: {وإذ قتلتم نفسا} [البقرة: 72]، {وإذ فرقنا بكم البحر} [البقرة: 50].

الرابع: يجوز أن يكون السؤال واقعا عن الأحياء والأموات معا، فإنهم اشفقوا على ما كان من صلاتهم أن يبطل ثوابهم، وكان الإشفاق واقعا في الفريقين فقيل: إيمانكم للأحياء والأموات، إذ من شأن العرب إذا أخبروا عن حاضر وغائب أن يغلبوا الخطاب فيقولوا: كنت أنت وفلان الغائب فعلتما. والله أعلم (?).

القول الثاني: أنه يحتمل أن يكون ذلك خطابا لأهل الكتاب، والمراد بالإيمان صلاتهم وطاعتهم قبل البعثة ثم نسخ، وإنما اختار أبو مسلم هذا القول لئلا يلزمه وقوع النسخ في شرعنا. قاله أبو مسلم (?).

قال ابن عطية: " وخاطب الحاضرين والمراد من حضر ومن مات، لأن الحاضر يغلب، كما تقول العرب: ألم نقتلكم في موطن كذا؟ ، ومن خوطب لم يقتل ولكنه غلب لحضوره" (?).

وقرأ الضحاك: {لِيُضَيّعَ}، بفتح (الضاد) وشد (الياء) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015