إحداهما: قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {أَمْ تَقُولُونَ} بالتاء على المخاطبة، كأنه قال: أتحاجوننا أم تقولون.
قال القرطبي: " وهي قراءة حسنة، لأن الكلام متسق، كأن المعنى: أتحاجوننا في الله أم تقولون إن الأنبياء كانوا على دينكم، فهي (أم) المتصلة" (?)، ويحتمل أن تكون (أم) المنقطعة بمعنى: بل أتقولون والهمزة للإنكار أيضا.
الثاني: وقراءة الباقين: {أَمْ يقُولُونَ} بالياء على أنه إخبار عن اليهود والنصارى، وعلى هذا الوجه تكون (أم) منقطعة، لانقطاع معناه بمعنى الانقطاع إلى حجاج آخر غير الأول، كأنه قيل: أتقولون إن الأنبياء كانوا قبل نزول التوراة والإنجيل هودا أو نصارى.
والراجح من القراءة (أم تقولون) بالتاء، وذلك لأنه اليق بالسياق (?)، والقراءة بالياء قراءة شاذة عن عامة القراء. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: (وإسماعيل): هو أكبر أولاد إبراهيم؛ وهو الذي أمر الله أباه أن يذبحه؛ والقصة مبسوطة في سورة الصافات.
قوله تعالى: (وإسحاق): هو أخو إسماعيل؛ وهو الولد الثاني لإبراهيم -عليه السلام-؛ (ويعقوب): هو ابن إسحاق؛ وهو الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل؛ (والأسباط) سبق الكلام على بيانهم.
قوله تعالى: (كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى) يعني كانوا على ملة اليهودية، والنصرانية؛ وهذا من سفه هؤلاء اليهود الذين يدعون ذلك؛ لأن أصل اليهودية، والنصرانية حدثت بعد هؤلاء؛ فكيف يكون هؤلاء هوداً، أو نصارى؟ ! ! !
ولا إشكال بأن هذه الآية أيضًا احتجاجٌ من الله تعالى ذكره لنبيّه صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى، الذين ذكر الله قَصَصهم. يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد - لهؤلاء اليهود والنصارى -: أتحاجُّوننا في الله، وتزعمون أن دينكم أفضلُ من ديننا، وأنكم على هدى ونحنُ على ضَلالة، ببرهان من الله تعالى ذكره، فتدعوننا إلى دينكم؟ فهاتوا برهانكم على ذلك فنتبعكم عليه، أم تقولون: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباط كانوا هودًا أو نَصَارَى على دينكم؟ فهاتُوا - على دعواكم ما ادّعيتم من ذلك - برهانًا فنصدِّقكم، فإن الله قد جَعلهم أئمة يقتدى بهم (?).
قال الرازي: إنما أنكر الله تعالى ذلك القول عليهم لوجوه (?):
أحدها: لأن محمدا صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوته بسائر المعجزات، وقد أخبر عن كذبهم في ذلك فثبت لا محالة كذبهم فيه.
وثانيها: شهادة التوراة والإنجيل على أن الأنبياء كانوا على التوحيد والحنيفية.
وثالثها: أن التوراة والإنجيل أنزلا بعدهم.
ورابعها: أنهم ادعوا ذلك من غير برهان فوبخهم الله تعالى على الكلام في معرض الاستفهام على سبيل الإنكار والغرض منه الزجر والتوبيخ وأن يقرر الله في نفوسهم أنهم يعلمون أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون.
قوله تعالى: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140]، أي: " أأنتم أعلم بهم وبما كانوا عليه من الأديان، أم الله؟ " (?).