ذَلِك وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} الْآيَة والقادر على الْكسْب فَقير فَأَما إِذا كَانَ عَاجِزا عَن الْكسْب وَلكنه قَادر على أَن يخرج فيطوف على الْأَبْوَاب وَيسْأل فَإِنَّهُ يفترض عَلَيْهِ ذَلِك حَتَّى إِذا لم يفعل ذَلِك حَتَّى هلك كَانَ آثِما عِنْد أهل الْفِقْه رَحِمهم الله
وَقَالَ بعض المتقشفة السُّؤَال مُبَاح لَهُ بطرِيق الرُّخْصَة فَإِن تَركه حَتَّى مَاتَ لم يكن آثِما لِأَنَّهُ متمسك بالعزيمة وَهَذَا قريب مِمَّا نقل عَن الْحسن بن زِيَاد رَحمَه الله إِن من كَانَ فِي سفر وَمَعَ رَفِيق لَهُ مَاء وَلَيْسَ عِنْده ثمنه أَنه لَا يلْزمه أَن يسْأَل رَفِيقه المَاء وَلَو تيَمّم وَصلى من غير أَن يسْأَله المَاء جَازَت صلَاته عِنْده وَلم يجز عندنَا وَجه قَوْلهم إِن فِي السُّؤَال ذلا وللمؤمن أَن يصون نَفسه عَن الذل وَبَيَانه فِيمَا نقل عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ ... لنقل الصخر من قلل الْجبَال ... أحب إِلَيّ من منن الرِّجَال ... يَقُول النَّاس لي فِي الْكسْب عَار ... فَقلت الْعَار فِي ذل السُّؤَال ...
وَلِأَن مَا يلْحقهُ من الذل بالسؤال يَقِين وَمَا يصل إِلَيْهِ من الْمَنْفَعَة موهوم فَرُبمَا يعْطى مَا يسْأَل وَرُبمَا لَا يعْطى فَكَانَ السُّؤَال رخصَة لَهُ من غير أَن يكون مُسْتَحقّا عَلَيْهِ إِذْ الموهوم لَا يُعَارض المتحقق وَحجَّتنَا فِي ذَلِك أَن السُّؤَال يوصله إِلَى مَا يقوم بِهِ نَفسه