قال أبو العباس: قوله: "آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك"، يقول: سو بينهم، وتقديره: اجعل بعضهم أسوة بعضٍ، والتأسي من ذا أن يرى ذو البلاء من به مثل بلائه فيكون قد ساواه فيه، فيسكن ذلك من وجده، قالت الخنساء:
فلولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... وأذكره لكل غروب شمس
تقول: أذكره في أول النهار للغارة، وفي آخره للضيفان. وتمثل مصعب بن الزبير يوم قتل بهذا البيت:
وإن الألى بالطف من آل هاشم ... تآسوا فسنوا للكرام التآسيا1
وقوله"حتى لا يطمع شريف في حيفك" يقول: في ميلك معه لشرفه. وقوله: "فيما تلجلج في صدرك" يقول: تردد، وأصل ذلك المضغة والأكلة يرددها الرجل في فيه فلا تزال تتردد إلى أن يسيغها أو يقذفها، والكلمة يرددها الرجل إلى أن يصلها بأخرى، يقال للعيي: لجلاج، وقد يكون من الآفة تعتري اللسان، قال زهير:
تلجلج مضغة فيها أنيضٌ ... أصلت، فهي تحت الكشح داء
وقوله: "أنيضٌ" أي لم تنضج2. ومن أمثال العرب: الحق أبلج والباطل لجلج، أي يتردد فيه صاحبه فلا يصيب مخرجا.
وقوله: "أو ظنيناٌ في ولاءٍ أو نسب، "فهو المتهم، وأصله" مظنون" وهي ظننت التي تتعدى إلى مفعول واحد، تقول: ظننت بزيد، وظننت زيداًٌ، أي اتهمت، ومن ذلك قول الشاعر، أحسبه عبد الرحمن بن حسان:
فلا ويمين الله ما عن جناية ... هجرت، ولكن الظنين ظنين 3