مجلس كانوا يتحدثون فيه، فيضحك بعضهم إلى بعض، فقال عبيد بن موهب للمهلب: قد بان عذرك، وأنا مخبر الأمير. فكتب المهلب إليه.
أما بعد: فإني لم أعط رسلك على قول رسلك على قول الحق أجراً، ولم أحتج منهم مع المشاهدة إلى تلقي، ذكرت أني أجم القوم، ولا بد من راحة يستريح فيها الغالب، ويحتال فيها المغلوب، وذكرت أن في ذلك الجمام ما ينسي القتلى، وتبرأ منه الجراح، وهيهات أن ينسى ما بيننا وبينهم، تأبى ذلك قتلى لم تجن، وقروح لم تتقرف1. ونحن القوم على حالة، وهم يرقبون منا حالات، إن طمعوا حاربوا. وإن ملوا وقفوا، وإن يئسوا انصرفوا، وعلينا أن نقاتلهم إذا قاتلوا، ونتحرز إذا وقفوا، وإن يئسوا انصرفوا، وعلينا أن نقاتلهم إذا قاتلوا، ونتحرز إذ وقفوا، ونطلب إذا هربوا فإن تركتين والرأي كان القرن مقصوماً، والداء بإذن الله محسوماً، وإن أعجلتني لم أطعك ولم أعص، وجعلت وجهي إلى بابك، وأنا أعوذ بالله من سخط الله، ومقت الناس.
ولما اشتد الحصار على عبد ربه قال لأصحابه: لا تفتقروا إلى من ذهب عنكم من الرجال، فإن المسلم لا يفتقر مع الإسلام إلى غيره، والمسلم إذا صح توحيده عز بربه، وقد أراحكم الله من غلظة قطري، وعجلة صالح بن مخراق ونخوته، واختلاط عبيدة بن هلال، ووكلكم إلى بصائركم، فالقوا عدوكم بصبر ونية، وانتقلوا عن منزلكم هذا؛ من قتل منكم قتل شهيداً. ومن سلم من القتل فه المحروم.
وقدم في هذا الوقت على المهلب عبيد بن أبي ربيعة بن أبي الصلت الثقفي، يستحثه بالقتال، ومعه أمينان، فقال له: خالفت وصية الأمير، وآثرت المدافعة والمطاولة، فقال له المهلب: ما تركت جهداً، فلما كان العشي خرج الأزارقة وقد حملوا حرمهم وأموالهم وخف متاعهم لينتقلوا، فقال المهلب لأصحابه: الزموا مصافكم، وأشرعوا رماحكم2، ودعوهم والذهاب، فقال له عبيد: هذا لعمري أيسر عليك، فقال للناس: ردوهم عن وجههم3، وقال لبنيه: تفرقوا في الناس،