وقال لعبيد بن أبي ربيعة: كن مع يزيد فخذه بالمحاربة أشد الأخذ، وقال لأحد الأمينين: كنا مع المغيرة ولا ترخص له في الفتور، فاقتتلوا قتالاً شديداً، حتى عقرت الدواب وصرع الفرسان، وقتلت الرجال فجعلت الخوارج تقاتل على القدح يؤخذ منها والسوط والعلق الخسيس أشد قتال، وسقط رمح برجل من مراد من الخوارج، فقاتلوا عليه حتى كثر الجراح والقتل، وذلك مع المغرب، والمرادي يقول:
الليل ليل فيه ويل ويل ... وسل بالقوم الشراة السيل
إن جاز للأعداء فينا قول
فلما عظم الخطب فيه بعث المهلب إلى المغيرة1: خل لهم عن الرمح، عليهم لعنة الله1، فخلوا لهم عنه.
ثم مضت الخوارج حتى نزلوا على أربعة فراسخ من جيرفت، ودخلها المهلب، فأمر بجمع ما كان لهم فيها من المتاع، وما خلفوه من دقيق2 وختم عليه هو والثقفي والأمينان، ثم أتبعهم، فإذا هم قد نزلوا على عين لا يشرب منها إلا قوي، يأتي الرجل بالدلو قد شدها في طرف رمحه فيستقي بها، وهناك قرية فيها أهلها، فغاداهم القتال. وضم الثقفي إلى يزيد، وأحد الأمينين إلى المغيرة، واقتتل القوم إلى نصف النهار، فقال المهلب لأبي علقمة العبدي - وكان شجاعاً عاتياً: أمدد بخيل اليحمد، وقل لهم: فليعيرونا جماجمهم ساعة، فقال له: إن جماجمهم ليست بفخار فتعار، وليست أعناقهم كردان3 فتنبت - قال أبو العباس4: تقول العرب لأعذاق النخل: كرادن، وهو فراسي أعرب -.
وقال لحبيب بن أوس: كر على القوم، فلم يفعل، وقال:
يقول لي الأمير بغير علم ... تقدم حين جد به المراس
فما لي إن أطعتك من حياة ... وما لي غير هذا الرأس رأس