قطري كادنا بترك موضعه، فاذهب فتعرف الخبر، فمضى هريم في إثني عشر فارساً، فلم ير في العسكر إلا عبداً وعلجاً، فسألهما عن قطري وأصحابه، فقالا: مضوا يرتادون غر هذا المنزل، فرجع هريم إلى المهلب فأخبره، فارتحل المهلب حتى نزل خندق قطري، فجعل يقاتلهم أحياناً بالغداة، وأحياناً بالعشي، ففي ذلك يقول رجل من سدوس، يقال له المعنق، وكان فارساً:

ليت الحرائر بالعراق شهدننا ... ورأيننا بالسفح ذي الأجيال

فنكحن أهل الجزء من فرساننا1 ... والضربين جماجم الأبطال

ووجه المهلب يزيد إلى الحجاج يخبره أنه قد نزل منزل قطري، وأنه مقيم على عبد ربه، ويسأله أن يوجه في إثر قطري رجلاً جلداً في جيش، فسر ذلك الحجاج سروراً أظهره. ثم كتب إلى المهلب يستحثه مع عبيد بن موهب؛ وفي الكتاب.

أما بعد، فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلي، فترجع بعذرك، وذل أنك تمسك حتى تبرأ الجراح، وتنسى القتلى، ويجم الناس2. ثم تلقاهم فتحتمل منهم مثل ما يحتملون منك من وحشة القتل، وألم الجراح، ولو كنت تلقاهم بذلك الجد لكان الداء قد حسم، والقرن قد قصم3. ولعمري ما أنت والقوم سواء؛ لأن من ورائك رجالاً وأمامك أموالاً، وليس للقوم إلا ما معهم. ولا يدرك الوجيف بالدبيب، ولا الظفر بالتعذير.

فقال المهلب لأصحابه: إن الله عز وجل قد أراحكم من أقران أربعة قطري بن الفجاءة، وصالح بن مخراق، وعبيدة بن هلال، وسعد الطلائع، وإنما بين أيديكم عبد ربه، في خشار من خشار4 الشيطان، تقتلونهم إن شاء الله.

فكانوا يتغادون القتال ويتراوحون، فتصيبهم الجراح، ثم يتحاجزون كأنما انصرفوا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015