فأعفنا من المقعطر وسر بنا إلى عدوك، فأبى قطري إلا المقعطر، فحمل فتى من العرب على صالح بن مخراق، فطعنه فأنفذه، وأجره الرمح فقتله.

ومعنى أجره الرمح طعنه وترك الرمح فيه، قال عنترة:

وآخر منهم أجررت رمحي ... وفي البجلي معبلة وقيع

فنشبت الحرب بينهم، فتهايجوا، ثم انحاز كل قوم إلى صاحبهم، فلما كان الغد اجتمعوا فاقتتلوا قتالاً شديداً، فأجلت الحرب عن ألفي قتيل، فلما كان الغد باكروهم القتال، فلم ينتصف النهار حتى أخرجت العجم العرب من المدينة. وأقام عبد ربه بها، وصار قطري خرجاً من مدينة جيرفت بإزائهم، فقال له عبيدة: يا أمير المؤمنين، إن أقمت لم آمن هذه العبيد عليك إلا أن تخندق. فخندق على باب المدينة، وجعل يناوشهم.

وارتحل المهلب فكان منهم على ليلة، ورسول الحجاج معه يستحثه فقال له: أصلح الله الأمير! عاجلهم قبل أن يصطلحوا، فقال المهلب: إنهم لن يصطلحوا، ولكن دعهم، فإنهم سيصيرون إلى حال لا يفلحون معها، ثم دس رجلاً من أصحابه فقال: إيت عسكر قطري، فقل: إني لم أزل أرى قطرياً يصيب الرأي حتى نزل منزلة هذا فبان خطؤه؛ أنقيم بني المهلب وعبد ربه، يغاديه هذا القتال ويراوحه هذا! فنمى الكلام إلى قطري، فقال: صدق، تنحوا بنا عن هذا الموضع، فإن اتبعنا المهلب قاتلناه، وإن أقام على عبد ربه رأيتم فيه ما تحبون، فقال له الصلت بن مرة: يا أمير المؤمنين، إن كنت إنما1 تريد الله فاقدم على القوم، وإن كنت إنما1 تريد الدنيا فأعلم أصحابك حتى يستأمنوا، وأنشأ الصلت يقول:

قل للمحلين قد قرت عيونكم ... بفرقة القوم والبغضاء والهرب

كنا أناسا على دين فغيرنا ... طول الجدال وخلط الجد باللعب

ما كان أغنى رجالاً ضل سعيهم ... عن الجدال وأغناهم عن الخطب

إني لأهونكم في الأرض مضطرباً ... ما لي سوى فرسي والرمح من نشب

ثم قال: أصبح المهلب يرجو منا ما كنا نطمع فيه منه، فارتحل قطري، وبلغ ذلك المهلب، فقال لهريم بن عدي بن أبي طحمة المجاشعي: إني لا آمن أن يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015