فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} 1 الآيات. فبكوا وقاموا إليه فاتنقوه، وقالوا: استغفر لنا، ففعل، فقال لهم عبد ربه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبة: والله لقد خدعكم، فبايع عبد ربه منهم ناس كثير لم يظهروا ولم يجدوا على عبيدة في إقامة الحد ثبتاً.
وكان قطري قد استعمل رجلاً من الدهاقين فظهرت له أموال كثيرة، فأتوا قطرياً فقالوا: أن عمر بن الخطاب لم يكن يقار عماله على مثل هذا، فقال قطري: إني استعملته وله ضياع وتجارات، فأوغر ذلك صدورهم، وبلغ ذلك المهلب، فقال: إن اختلافهم أشد عليهم مني.
وقالوا لقطري: ألا تخرج بنا إلى عدونا? فقال: لا، ثم خرج، فقالوا: قد كذب وارتد! فاتبعوه يوماً فأحس بالشر، فدخل داراً مع جماعة من أصحابه، فصاحوا به: يا دابة، اخرج إلينا، فخرج إليهم، فقال: رجعتم بعدي كفاراً! فقالوا: أو لست دابة! قال الله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} 2, ولكنك قد كفرت بقولك: إنا قد رجعنا كفاراً، فتب إلى الله عز وجل، فشاور عبيدة، فقال: إن تبت لم يقبلوا منك، ولكن قل: إنما استفهمت فقلت: أرجعتم بعدي كفاراً? فقال ذلك لهم، فقبلوه منه، فرجع إلى منزله، وعزم أن يبايع المقعطر العبدي، فكرهه القوم وأبوه، فقال له صالح بن مخراق عنه وعن القوم: ابغ لنا غير المقعطر، فقال لهم3 قطري: أرى طول العهد قد غيركم، وأنتم بصدد عدوكم، فاتقوا الله وأقبلوا على شأنكم، واستعدوا للقاء القوم، فقال صالح بن مخراق: إن الناس قبلنا قد3 ساموا عثمان بن عفان أن يعزل عنهم سعيد بن العاصي ففعل، ويجب على الإمام أن يعفي الرعية مما كرهت. فأبى قطري أن يعزله، فقال له القوم: إنا خلعناك وولينا عبد ربه الصغير، فانفصل إلى عبد ربه أكثر من الشطر، وجلهم الموالي والعجم، وكان هناك منهم ثمانية آلاف، وهم القراء، ثم نم صالح بن مخراق، فقال لقطري: هذه نفحة من نفحات الشيطان.