لِوَقْتِهِ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ سُلَيْمَانُ حَتَّى هَجَمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُعْتَذِرًا، فَأَمْسَكَ عَنْهُ، وَقَبَضَ عَلَى مَنْ كَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، مِنْهُمْ: أَمِيرٌ كَانَ قَدِ الْتَقَطَهُ أُرْتُقُ، وَالِدُ إِيلْغَازِي، وَرَبَّاهُ، اسْمُهُ نَاصِرٌ، فَقَلَّعَ عَيْنَيْهِ، وَقَطَعَ لِسَانَهُ، وَمِنْهُمْ: إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ حَمَاةَ مِنْ بَيْتِ قَرْنَاصَ، كَانَ قَدْ قَدَّمَهُ إِيلْغَازِي عَلَى أَهْلِ حَلَبَ، وَجَعَلَ إِلَيْهِ الرِّئَاسَةَ، فَجَازَاهُ بِذَلِكَ، وَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَسَمَلَ عَيْنَيْهِ، فَمَاتَ.
وَأَحْضَرَ وَلَدَهُ، وَهُوَ سَكْرَانُ، فَأَرَادَ قَتْلَهُ، فَمَنَعَتْهُ رِقَّةُ الْوَالِدِ، فَاسْتَبْقَاهُ، فَهَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَرْسَلَ طُغْتِكِينُ يَشْفَعُ فِيهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَاسْتَنَابَ بِحَلْبَ سُلَيْمَانَ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أُرْتُقَ، وَلَقَّبَهُ بَدْرَ الدَّوْلَةِ، وَعَادَ إِلَى مَارِدِينَ.
ذِكْرُ إِقْطَاعِ مَيَّافَارِقِينَ إِيلْغَازِي
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَقْطَعَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ مَدِينَةَ مَيَّافَارِقِينَ لِلْأَمِيرِ إِيلْغَازِي وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرْسَلَ وَلَدَهُ حُسَامَ الدِّينِ تَمَرْتَاشَ، وَعُمُرُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، إِلَى السُّلْطَانِ لِيَشْفَعَ فِي دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ، وَيَبْذُلَ عَنْهُ الطَّاعَةَ، وَحَمْلَ الْأَمْوَالِ، وَالْخَيْلَ، وَغَيْرَهَا، وَأَنْ يَضْمَنَ الْحِلَّةَ كُلَّ يَوْمٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَفَرَسٍ، وَكَانَ الْمُتَحَدِّثَ عَنْهُ الْقَاضِيَ بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الشَّهْرَزُورِيِّ، فَتَرَدَّدَ الْخِطَابُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ حَالٌ، فَلَمَّا أَرَادَ الْعَوْدَ أَقْطَعَ السُّلْطَانُ أَبَاهُ مَدِينَةَ مَيَّافَارِقِينَ، وَكَانَتْ مَعَ الْأَمِيرِ سُكْمَانَ، صَاحِبِ خِلَاطَ، فَتَسَلَّمَهَا إِيلْغَازِي، وَبَقِيَتْ فِي يَدِهِ، وَيَدِ أَوْلَادِهِ، إِلَى أَنْ مَلَكَهَا صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ حَصْرِ بَلْكَ بْنِ بَهْرَامَ الرُّهَا وَأَسْرِ صَاحِبِهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ بَلْكُ بْنُ بَهْرَامَ، وَلَدُ أَخِي إِيلْغَازِي، إِلَى مَدِينَةِ الرُّهَا، فَحَصَرَهَا وَبِهَا الْفِرِنْجُ، بَقِيَ عَلَى حَصْرِهَا مُدَّةً فَلَمْ يَظْفَرْ بِهَا، فَرَحَلَ عَنْهَا، فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ تُرْكُمَانِيٌّ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ جُوسُلِينَ، صَاحِبَ الرُّهَا وَسَرُوجَ، قَدْ جَمَعَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى كَبْسِهِ، وَكَانَ قَدْ تَفَرَّقَ عَنْ بَلْكَ أَصْحَابُهُ، وَبَقِيَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ فَارِسٍ، فَوَقَفَ مُسْتَعِدًّا لِقِتَالِهِمْ.