وَأَقْبَلَ الْفِرِنْجُ، فَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْفِرِنْجَ وَصَلُوا إِلَى أَرْضٍ قَدْ نَضَبَ عَنْهَا الْمَاءُ، فَصَارَتْ وَحْلًا وَغَاصَتْ خُيُولُهُمْ فِيهِ فَلَمْ تَتَمَكَّنْ، مَعَ ثِقَلِ السِّلَاحِ وَالْفُرْسَانِ، مِنَ الْإِسْرَاعِ وَالْجَرْيِ، فَرَمَاهُمْ أَصْحَابُ بَلْكَ بِالنُّشَّابِ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأُسِرَ جُوسُلِينُ، وَجُعِلَ فِي جِلْدِ جَمَلٍ، وَخُيِّطَ عَلَيْهِ، وَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّمَ الرُّهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَبَذَلَ فِي فِدَاءِ نَفْسِهِ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَأَسْرَى كَثِيرَةً، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَحَمَلَهُ إِلَى قَلْعَةِ خَرْتَبِرْتَ فَسَجَنَهُ بِهَا، وَأُسِرَ ابْنُ خَالَتِهِ، وَاسْمُهُ كُلْيَامُ، وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ الْكُفَّارِ، وَأُسِرَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ فُرْسَانِهِ الْمَشْهُورِينَ، فَسَجَنَهُمْ مَعَهُ.
[الْوَفَيَاتُ]
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَتْ جَدَّةُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ لِأَبِيهِ، وَهِيَ وَالِدَةُ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَكَانَتْ تُرْكِيَّةً تُعْرَفُ بِخَاتُونَ السَّفَرِيَّةِ، وَكَانَ مَوْتُهَا بِمَرْوَ فَجَلَسَ مَحْمُودٌ بِبَغْدَاذَ لِلْعَزَاءِ بِهَا، وَكَانَ عَزَاءً لَمْ يُشَاهِدْ مِثْلَهُ النَّاسُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْخَطِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَيْبُذِيُّ بِبِلَادِ فَارِسَ، وَهُوَ فِي وِزَارَةِ الْمَلِكِ سُلْجُوقَ ابْنِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ قَدِيمًا وَزَرَ لِلسُّلْطَانَيْنِ بُرْكِيارُقَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَانَ جَوَادًا حَلِيمًا، سَمِعَ أَنَّ الْأَبْيَوَرْدِيَّ هَجَاهُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْهَجْوَ مَضَّهُ، فَعَضَّ عَلَى إِبْهَامِهِ، وَصَفَحَ عَنْهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَوَصَلَهُ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ الشِّهَابُ أَبُو الْمَحَاسِنِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَزِيرُ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي نِظَامِ الْمُلْكِ، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ قَدِيمًا عَلَى إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيِّ فَكَانَ يُفْتِي وَيُوَقِّعُ، وَوَزَرَ بَعْدَهُ أَبُو طَاهِرٍ سَعْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْقُمِّيُّ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ شُهُورٍ، فَوَزَرَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ الْقُمِّيُّ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ.
وَفِيهَا، فِي جُمَادَى الْأُولَى، أَوْقَعَ أَتَابِكُ طُغْتِكِينُ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَأَسَرَ وَأَرْسَلَ مِنَ الْأَسْرَى وَالْغَنِيمَةِ لِلسُّلْطَانِ وَلِلْخَلِيفَةِ.
وَفِيهَا تَضَعْضَعَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ مِنَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، زَادَهُ اللَّهُ شَرَفًا، مِنْ زَلْزَلَةٍ، وَانْهَدَمَ