فَحَصَرَهُ أَخُوهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: إِنَّ مَكَانَكَ لَا يَعْصِمُكَ، وَلَأَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ بِعَهْدٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوكَ قَهْرًا. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَبَضُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مُحَمَّدٌ: وَّهِ لَا قَابَلْتُكَ عَلَى فِعْلِكَ بِي، وَلَا عَامَلْتُكَ إِلَّا بِالْجَمِيلِ، فَانْظُرْ أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ تُقِيمَ حَتَّى أَحْمِلَكَ إِلَيْهِ وَمَعَكَ أَوْلَادُكَ وَحُرَمُكَ. فَاخْتَارَ قَلْعَةَ كَيْكِي، فَأَنْفَذَهُ إِلَيْهَا مَحْفُوظًا، وَأَمَ بِإِكْرَامِهِ وَصِيَانَتِهِ.
وَأَرْسَلَ مَسْعُودٌ إِلَى أَخِيهِ يَطْلُبُ مِنْهُ مَالًا يُنْفِقُهُ، فَأَنْفَذَ لَهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَبَكَى مَسْعُودٌ وَقَال َ: كَانَ بِالْأَمْسِ حُكْمِي عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ حِمْلٍ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَالْيَوْمَ لَا أَمْلِكُ الدِّرْهَمالْفَرْدَ. فَأَعْطَاهُ الرَّسُولُ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَبِلَهَا، وَكَانَتْ سَبَبَ سَعَادَةِ الرَّسُولِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ مَوْدُودُ بْنُ مَسْعُودٍ بَالَغَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ.
ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا فَوَّضَ أَمْرَ دَوْلَتِهِ إِلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ، وَكَانَ فِيهِ خَبْطٌ وَهَوَجٌ، فَاتَّفَقَ هُوَ وَابْنُ عَمِّهِ يُوسُفُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ وَابْنُ عَلِيٍّ خُويْشَاوَنْدُ عَلَى قَتْلِ مَسْعُودٍ، لِيَصْفُوَ الْمُلْكُ لَهُ وَلِوَالِدِهِ، فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ فَطَلَبَ خَاتَمَهُ لِيَخْتِمَ بِهِ بَعْضَ الْخَزَائِنِ، فَأَعْطَاهُ، فَسَارَ بِهِ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَأَعْطَوُا الْخَاتَمَ لِمُسْتَحْفِظِهَا وَقَالُوا: مَعَنَا رِسَالَةٌ إِلَى مَسْعُودٍ، فَأَدْخَلَهُمْ إِلَيْهِ فَقَلُوهُ، فَلَمَّا عَلِمَ مُحَمَّدٌ بِذَلِكَ سَاءَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ مَسْعُودًا لَمَّا حُبِسَ دَخَلَ عَلَيْهِ وَلَدُ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ، وَاسْمُ أَحَدِهِمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْآخَرِ عَبْدُ الرَّحِيمِ، فَمَدَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَدَهُ فَأَخَذَ الْقَلَنْسُوَةَ مِنْ رَأْسِ عَمِّهِ مَسْعُودٍ، فَمَدَّ عَبْدُ الرَّحِيمِ يَدَهُ وَأَخَذَ الْقَلَنْسُوَةَ مِنْ أَخِيهِ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَسَبَّهُ وَقَبَّلَهَا، وَتَرَكَهَا عَلَى رَأْسِ عَمِّهِ، فَنَجَا بِذَلِكَ عَبْدُ الرَّحِيمِ مِنَ الْأَسْرِ لَمَّا مَلَكَ مَوْدُودُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا أَغْرَاهُ وَلَدُهُ أَحْمَدُ بِقَتْلِ عَمِّهِ مَسْعُودٍ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَنْ