عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَسَارُوا عَنْ غَزْنَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَلَمَّا قَارَبُوا بَلْخَ سَيَّرَ دَاوُدُ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ، فَأَوْقَعُوا بِطَلَائِعِ مَوْدُودٍ، وَانْهَزَمَتِ الطَّلَائِعُ وَتَبِعَهُمْ عَسْكَرُ دَاوُدَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ عَسْكَرُ مَوْدُودٍ رَجَعُوا إِلَى وَرَائِهِمْ وَأَقَامُوا، فَلَمَّا سَمِعَ أَلْتُونْتَاقُ صَاحِبُ بَلْخَ الْخَبَرَ أَطَاعَ دَاوُدَ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْبَلَدَ، وَوَطِئَ بُسَاطَهُ.
ذِكْرُ قَبْضِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ وَقَتْلِهِ وَمُلْكِ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ
قَدْ ذَكَرْنَا عَوْدَ مَسْعُودِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ إِلَى غَزْنَةَ مِنْ خُرَاسَانَ، فَوَصَلَهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَبَضَ عَلَى سُبَاشِي وَغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، (وَأَثْبَتَ غَيْرَهُمْ) وَسَيَّرَ وَلَدَهُ مَوْدُودًا إِلَى خُرَاسَانَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ لِيَمْنَعَ السَّلْجُوقِيَّةَ عَنْهَا، فَسَارَ مَوْدُودٌ إِلَى بَلْخَ لِيَرُدَّ عَنْهَا دَاوُدَ أَخَا طُغْرُلْبَك، وَجَعَلَ أَبُوهُ مَسْعُودٌ مَعَهُ وَزِيرَهُ أَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ، وَكَانَ مَسِيرُهُمْ (مِنْ غَزْنَةَ) فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ.
وَسَارَ مَسْعُودٌ بَعْدَهُمْ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ يُرِيدُ بِلَادَ الْهِنْدِ لِيَشْتُوَ بِهَا عَلَى عَادَةِ وَالِدِهِ، فَلَمَّا سَارَ أَخَذَ مَعَهُ أَخَاهُ مُحَمَّدًا مَسْمُولًا، وَاسْتَصْحَبَ الْخَزَائِنَ، وَكَانَ عَازِمًا عَلَى الِاسْتِنْجَادِ بِالْهِنْدِ عَلَى قِتَالِ السَّلْجُوقِيَّةِ ثِقَةً بِعُهُودِهِمْ. فَلَمَّا عَبَرَ سَيْحُونَ وَهُوَ نَهْرٌ كَبِيرٌ نَحْوَ دِجْلَةَ، وَعَبَّرَ بَعْضَ الْخَزَائِنِ - اجْتَمَعَ أَنُّوشْ تِكِينُ الْبَلْخِيُّ وَجَمْعٌ مِنَ الْغِلْمَانِ الدَّارِيَةِ، وَنَهَبُوا مَا خَلَّفَ مِنَ الْخِزَانَةِ، وَأَقَامُوا أَخَاهُ مُحَمَّدًا ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْإِمَارَةِ، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ ذَلِكَ، فَتَهَدَّدُوهُ وَأَكْرَهُوهُ، فَأَجَابَ، وَبَقِيَ مَسْعُودٌ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ وَحَفِظَ نَفْسَهُ، فَالْتَقَى الْجَمْعَانِ مُنْتَصَفَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَاقْتَتَلُوا، وَعَظُمَ الْخَطْبُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ، ثُمَّ انْهَزَمَ عَسْكَرُ مَسْعُودٍ، وَتَحَصَّنَ هُوَ فِي رِبَاطِ مَارِيكْلَةَ،