ذِكْرُ وِلَايَةِ هِشَامٍ الْأُمَوِيِّ قُرْطُبَةَ

لَمَّا قُطِعَتْ دَعْوَةُ يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيِّ عَنْ قُرْطُبَةَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، أَجْمَعَ أَهْلُهَا عَلَى خَلْعِ الْعَلَوِيِّينَ لِمَيْلِهِمْ إِلَى الْبَرْبَرِ، وَإِعَادَةِ الْخِلَافَةِ بِالْأَنْدَلُسِ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ رَأْسُهُمْ فِي ذَلِكَ أَبَا الْحَزْمِ جَهْوَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جَهْوَرٍ، فَرَاسَلُوا أَهْلَ الثُّغُورِ وَالْمُتَغَلِّبِينَ هُنَاكَ فِي هَذَا، فَاتَّفَقُوا مَعَهُمْ، فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ هِشَامَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ الْأُمَوِيَّ، وَكَانَ مُقِيمًا بِالْبُنْتِ مُذْ قُتِلَ أَخُوهُ الْمُرْتَضَى، فَبَايَعُوهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَتَلَقَّبَ بِالْمُعْتَدِّ بِاللَّهِ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنَ الْمُرْتَضَى، وَنَهَضَ إِلَى الثُّغُورِ فَتَرَدَّدَ فِيهَا، وَجَرَى لَهُ هُنَاكَ فِتَنٌ وَاضْطِرَابٌ شَدِيدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ إِلَى أَنِ اتَّفَقَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسِيرَ إِلَى قُرْطُبَةَ دَارِ الْمُلْكِ، فَسَارَ إِلَيْهَا وَدَخَلَهَا ثَامِنَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ عِشْرِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] وَبَقِيَ بِهَا حَتَّى خُلِعَ ثَانِيَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ.

وَكَانَ سَبَبُ خَلْعِهِ أَنَّ وَزِيرَهُ أَبَا عَاصِي بْنَ سَعِيدٍ الْقَزَّازَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدِيمُ رِئَاسَةٍ، وَكَانَ يُخَالِفُ الْوُزَرَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَيَتَسَبَّبُ إِلَى أَخْذِ أَمْوَالِ التُّجَّارِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ يَصِلُ الْبَرْبَرَ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُقَرِّبُهُمْ، فَنَفَرَ عَنْهُ أَهْلُ قُرْطُبَةَ، فَوَضَعُوا عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ، فَلَمَّا قَتَلُوهُ اسْتَوْحَشُوا مِنْ هِشَامٍ فَخَلَعُوهُ بِسَبَبِهِ، فَلَمَّا خُلِعَ هِشَامٌ قَامَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ النَّاصِرِ، وَتَسَوَّرَ الْقَصْرَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ، فَبَايَعَهُ مِنْ سَوَادِ النَّاسِ كَثِيرٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ قُرْطُبَةَ: نَخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّ السَّعَادَةَ قَدْ وَلَّتْ عَنْكُمْ فَقَالَ: بَايِعُونِي الْيَوْمَ وَاقْتُلُونِي غَدًا. فَأَنْفَذَ أَهْلَ قُرْطُبَةَ وَأَعْيَانَهُمْ إِلَيْهِ وَإِلَى الْمُعْتَدِّ بِاللَّهِ يَأْمُرُونَهُمَا بِالْخُرُوجِ عَنْ قُرْطُبَةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015