فَوَدَّعَ الْمُعْتَدُّ أَهْلَهُ وَخَرَجَ إِلَى حِصْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّوْرِ بِجَبَلِ قُرْطُبَةَ، فَبَقِيَ مَعَهُ إِلَى أَنْ غَدَرَ أَهْلُ الْحِصْنِ بِمُحَمَّدِ بْنِ الشَّوْرِ (فَقَتَلُوهُ، وَأَخْرَجُوا الْمُعْتَدَّ إِلَى حِصْنٍ آخَرَ حَبَسُوهُ فِيهِ، فَاحْتَالَ فِي) الْخُرُوجِ مِنْهُ لَيْلًا، وَسَارَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ هُودٍ الْجُذَامِيِّ، فَأَكْرَمَهُ وَبَقِيَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَدُفِنَ بِنَاحِيَةِ لَارِدَةَ، وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ بِالْأَنْدَلُسِ.
وَأَمَّا أُمَيَّةُ فَإِنَّهُ اخْتَفَى بِقُرْطُبَةَ، فَنَادَى أَهْلُ قُرْطُبَةَ بِالْأَسْوَاقِ وَالْأَرْبَاضِ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بِهَا، وَلَا يَتْرُكُهُمْ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَخَرَجَ أُمَيَّةُ فِيمَنْ خَرَجَ، وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ مُدَّةً، ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إِلَيْهَا، فَعَادَ طَمَعًا فِي أَنْ يَسْكُنَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ شُيُوخُ قُرْطُبَةَ مَنْ مَنَعَهُ عَنْهَا، وَقِيلَ قُتِلَ وَغُيِّبَ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، ثُمَّ انْحَلَّ عِقْدُ الْجَمَاعَةِ وَانْتَشَرَ وَافْتَرَقَتِ الْبِلَادُ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ تَفَرُّقِ مَمَالِكِ الْأَنْدَلُسِ
ثُمَّ إِنَّ الْأَنْدَلُسَ اقْتَسَمَهُ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَالرُّؤَسَاءُ، فَتَغَلَّبَ كُلُّ إِنْسَانٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، فَصَارُوا مِثْلَ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَضَرَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَطَمِعَ بِسَبَبِهِ الْعَدُوُّ الْكَافِرُ، خَذَلَهُ اللَّهُ، فِيهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ اجْتِمَاعٌ إِلَى أَنْ مَلَكَهُ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ بْنِ تَاشِفِينَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَأَمَّا قُرْطُبَةُ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا أَبُو الْحَزْمِ جَهْوَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَهْوَرٍ، الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ، وَكَانَ مِنْ وَزَارَةِ الدَّوْلَةِ الْعَامِرِيَّةِ، قَدِيمَ الرِّئَاسَةِ، مَوْصُوفًا بِالدَّهَاءِ وَالْعَقْلِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفِتَنِ قَبْلَ هَذَا (بَلْ كَانَ يَتَصَاوَنُ عَنْهَا) فَلَمَّا خَلَا لَهُ الْجَوُّ