وَكَانَ إِدْرِيسُ قَدْ أَيْقَنَ بِالْهَلَاكِ، وَانْتَقَلَ عَنْ مَالِقَةَ إِلَى جَبَلٍ يَحْتَمِي بِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّأْسُ عَاشَ بَعْدَهُ يَوْمَيْنِ، وَمَاتَ وَتَرَكَ مِنَ الْوَلَدِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدًا، وَحَسَنًا، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْتُولُ قَدْ حَبَسَ ابْنَيْ عَمِّهِ مُحَمَّدًا وَالْحَسَنَ ابْنَيِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمُّودٍ بِالْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا مَاتَ إِدْرِيسُ أَخْرَجَهُمَا الْمُوكَّلُ بِهِمَا، وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهِمَا، فَبَايَعَهُمَا السُّودَانُ خَاصَّةً قَبْلَ النَّاسِ لِمَيْلِ أَبِيهِمَا إِلَيْهِمْ فَمَلَكَ مُحَمَّدٌ الْجَزِيرَةَ، وَلَمْ يَتَّسِمْ بِالْخِلَافَةِ.
وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ تَنَسَّكَ وَتَرَكَ الدُّنْيَا وَحَجَّ، وَكَانَ ابْنُ بَقِيَّةَ قَدْ أَقَامَ يَحْيَى بْنَ إِدْرِيسَ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ بِمَالِقَةَ، فَسَارَ إِلَيْهَا نَجَا الصَّقْلَبِيُّ مِنْ سَبْتَةَ هُوَ وَالْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، فَهَرَبَ ابْنُ بَقِيَّةَ، (وَدَخَلَهَا الْحَسَنُ وَنَجَا، فَاسْتَمَالَا ابْنَ بَقِيَّةَ) حَتَّى حَضَرَ، فَقَتَلَهُ الْحَسَنُ وَقَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ يَحْيَى بْنَ إِدْرِيسَ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ بِالْخِلَافَةِ، وَلُقِّبَ بِالْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ، وَرَجَعَ نَجَا إِلَى سَبْتَةَ، وَتَرَكَ مَعَ الْحَسَنِ الْمُسْتَنْصِرِ نَائِبًا لَهُ يُعْرَفُ بِالشَّطِيفِيِّ، فَبَقِيَ حَسَنٌ كَذَلِكَ نَحْوًا مِنْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَقِيلَ إِنَّ زَوْجَتَهُ ابْنَةَ عَمِّهِ إِدْرِيسَ سَمَّتْهُ أَسَفًا عَلَى أَخِيهَا يَحْيَى، فَلَمَّا مَاتَ الْمُسْتَنْصِرُ، اعْتَقَلَ الشَّطِيفِيُّ إِدْرِيسَ بْنَ يَحْيَى، وَسَارَ نَجَا مِنْ سَبْتَةَ إِلَى مَالِقَةَ، (وَعَزَمَ عَلَى مَحْوِ أَمْرِ الْعَلَوِيِّينَ، وَأَنْ يَضْبُطَ الْبِلَادَ لِنَفْسِهِ، وَأَظْهَرَ) الْبَرْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَعَظُمَ عِنْدَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، وَقَتَلُوا الشَّطِيفِيَّ) وَأَخْرَجُوا إِدْرِيسَ بْنَ يَحْيَى، وَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، وَتَسَمَّى بِالْعَالِي، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ يَتَصَدَّقُ كُلَّ جُمُعَةٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ، وَرَدَّ كُلَّ مَطْرُودٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَعَادَ عَلَيْهِمْ أَمْلَاكَهُمْ.
وَكَانَ مُتَأَدِّبًا، حَسَنَ اللِّقَاءِ، لَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَصْحَبُ الْأَرْذَالَ وَلَا يَحْجُبُ نِسَاءَهُ عَنْهُمْ، وَكُلُّ مَنْ طَلَبَ مِنْهُمْ حِصْنًا مِنْ بِلَادِهِ أَعْطَاهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ صِنْهَاجَةُ