ذِكْرُ عَوْدِ يَحْيَى الْعَلَوِيِّ إِلَى قُرْطُبَةَ وَقَتْلِهِ
لَمَّا مَاتَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ، وَصَحَّ عِنْدَ أَهْلِ قُرْطُبَةَ خَبَرُ مَوْتِهِ، سَعَى مَعَهُمْ بَعْضُ أَهْلِهَا لِيَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَمُّودٍ الْعَلَوِيِّ لِيُعِيدُوهُ إِلَى الْخِلَافَةِ، وَكَانَ بِمَالِقَةَ يَخْطُبُ لِنَفْسِهِ بِالْخِلَافَةِ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ وَخَاطَبُوهُ بِالْخِلَافَةِ، وَخَطَبُوا لَهُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَطَّافٍ الْيَفُرَنِيَّ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَحْضُرْ هُوَ بِاخْتِيَارِهِ، فَبَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِيهَا إِلَى مُحَرَّمٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَسَارَ إِلَيْهِ مُجَاهِدٌ، وَخَيْرَانُ الْعَامِرِيَّانِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا، فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ، فَلَمَّا قَارَبُوا قُرْطُبَةَ ثَارَ أَهْلُهَا بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَخْرَجُوهُ، وَقَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً، وَنَجَا الْبَاقُونَ.
وَأَقَامَ خَيْرَانُ وَمُجَاهِدٌ بِهَا نَحْوَ شَهْرٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَخَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَعَادَ خَيْرَانُ عَنْ قُرْطُبَةَ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنَ السَّنَةِ إِلَى الْمَرِيَّةِ، وَبَقِيَ بِهَا إِلَى سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَصَارَتِ الْمَرِيَّةُ بَعْدَهُ لِصَاحِبِهِ زُهَيْرٍ الْعَامِرِيِّ، فَخَالَفَ حَبُّوسُ بْنُ مَاكِسَنَ الصِّنْهَاجِيُّ الْبَرْبَرِيُّ وَأَخُوهُ عَلَى طَاعَةِ يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيِّ، وَبَقِيَ مُجَاهِدٌ مُدَّةً ثُمَّ سَارَ إِلَى دَانِيَةَ، وَقُطِعَتْ خُطْبَةُ يَحْيَى مِنْهَا، وَأُعِيدَتْ خُطْبَةُ الْأُمَوِيِّينَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَقِيَ يَتَرَدَّدُ عَلَيْهَا بِالْعَسَاكِرِ، وَاتَّفَقَ الْبَرْبَرُ عَلَى طَاعَتِهِ، وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْحُصُونِ وَالْمُدُنِ، فَقَوِيَ وَعَظُمَ شَأْنُهُ وَبَقِيَ كَذَلِكَ مُدَّةً.
ثُمَّ سَارَ إِلَى قَرْمُونَةَ، فَأَقَامَ بِهَا مُحَاصِرًا لِإِشْبِيلِيَّةَ، طَامِعًا فِي أَخْذِهَا، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ يَوْمًا أَنَّ خَيْلًا لِأَهْلِ إِشْبِيلِيَّةَ قَدْ أَخْرَجَهَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبَّادٍ إِلَى نَوَاحِي قَرْمُونَةَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِمْ وَلَقِيَهُمْ، وَقَدْ كَمَنُوا لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ قُتِلَ، وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَخَلَّفَ مِنَ الْوَلَدِ الْحَسَنَ وَإِدْرِيسَ لِأُمَّيْ وَلَدٍ، وَكَانَ أَسْمَرَ