وَجَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ابْنِ فُولَاذٍ (عِدَّةُ حُرُوبِ، وَجُرِحَ ابْنُ فُولَاذٍ، وَوَلَّى) مُنْهَزِمًا حَتَّى بَلَغَ الدَّامَغَانَ، فَأَقَامَ حَتَّى عَادَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ وَرَجَعَ إِصْبَهْبَذُ إِلَى بِلَادِهِ.
وَكَتَبَ ابْنُ فُولَاذٍ إِلَى مُنُوجَهْرَ بْنِ قَابُوسَ يَطْلُبُ أَنْ يُنْفِذَ لَهُ عَسْكَرًا لِيَمْلِكَ الْبِلَادَ، وَيُقِيمَ لَهُ الْخُطْبَةَ فِيهَا، وَيَحْمِلَ إِلَيْهِ الْمَالَ، فَأَنْفَذَ لَهُ أَلْفَيْ رَجُلٍ، فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِظَاهِرِ الرَّيِّ، وَأَعَادَ الْإِغَارَةَ، وَمَنَعَ الْمِيرَةَ عَنْهَا، فَضَاقَتِ الْأَقْوَاتُ بِهَا، فَاضْطَرَّ مَجْدُ الدَّوْلَةِ وَوَالِدَتُهُ إِلَى مُدَارَاتِهِ وَإِعْطَائِهِ مَا يَلْتَمِسُهُ، فَاسْتَقَرَّ بَيْنَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَا إِلَيْهِ مَدِينَةَ أَصْبَهَانَ، فَسَارَ إِلَيْهَا، وَأَعَادَ عَسْكَرَ مُنُوجَهْرَ إِلَيْهِ، وَزَالَ الْفَسَادُ، وَعَادَ إِلَى طَاعَةِ مَجْدِ الدَّوْلَةِ.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَلَوِيَّةِ بِالْأَنْدَلُسِ وَقَتْلِ سُلَيْمَانَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلِيَ الْأَنْدَلُسَ عَلِيُّ بْنُ حَمُّودِ بْنِ أَبِي الْعَيْشِ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ فِي نَسَبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ (مَعَ اتِّفَاقٍ عَلَى صِحَّةِ نَسَبِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَتَى خَيْرَانَ الْعَامِرِيَّ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِوِلَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَاكِمِ الْأُمَوِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُؤَيَّدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، فَلَمَّا مَلَكَ سُلَيْمَانُ قُرْطُبَةَ انْهَزَمَ خَيْرَانُ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْفِتْيَانِ الْعَامِرِيِّينَ، فَتَبِعَهُمُ الْبَرْبَرُ وَوَاقَعَهُمْ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَجُرِحَ خَيْرَانُ عِدَّةَ جِرَاحَاتٍ وَتُرِكَ عَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَلَمَّا فَارَقُوهُ قَامَ يَمْشِي، فَأَخَذَهُ رَجُلٌ مِنَ الْبَرْبَرِ إِلَى دَارِهِ بِقُرْطُبَةَ وَعَالَجَهُ فَبَرِأَ وَأَعْطَاهُ مَالًا، وَخَرَجَ مِنْهَا سِرًّا إِلَى شَرْقِ الْأَنْدَلُسِ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ، وَقَاتَلَ مَنْ هُنَاكَ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَمَلَكَ الْمَرِيَّةَ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْأَجْنَادُ، وَأَزَالَ الْبَرْبَرَ عَنِ الْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ، فَغَلُظَ أَمْرُهُ وَعَظُمَ شَأْنُهُ.