وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ حَمُّودٍ بِمَدِينَةِ سَبْتَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَنْدَلُسِ عُدْوَةُ الْمَجَازِ مَالِكًا لَهَا، وَكَانَ أَخُوهُ الْقَاسِمُ بْنُ حَمُّودٍ بِالْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا، وَبَيْنَهُمَا الْمَجَازُ، وَسَبَبُ مُلْكِهِمَا أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَاكِمِ، فَقَوَّدَهُمَا عَلَى الْمَغَارِبَةِ، ثُمَّ وَلَّاهُمَا هَذِهِ الْبِلَادَ، وَكَانَ خَيْرَانُ يَمِيلُ إِلَى دَوْلَةِ الْمُؤَيَّدِ، وَيَرْغَبُ فِيهَا، وَيَخْطُبُ لَهُ عَلَى مَنَابِرِ بِلَادِهِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ حَيَاتَهُ حَيْثُ فُقِدَ مِنَ الْقَصْرِ، فَحَدَثَ لِعَلِيِّ بْنِ حَمُّودٍ طَمَعٌ فِي مُلْكِ الْأَنْدَلُسِ لِمَا رَأَى مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَكَتَبَ إِلَى خَيْرَانَ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّ الْمُؤَيَّدَ كَانَ كَتَبَ لَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ وَالْأَخْذِ بِثَأْرِهِ إِنْ هُوَ قُتِلَ فَدَعَا لِعَلِيِّ بْنِ حَمُّودٍ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ.
وَكَانَ خَيْرَانُ يُكَاتِبُ النَّاسَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخُرُوجِ عَلَى سُلَيْمَانَ، فَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ فَتُّوحٍ وَزِيرُ الْمُؤَيَّدِ، وَهُوَ بِمَالِقَةَ، وَكَاتَبُوا عَلِيَّ بْنَ حَمُّودٍ، وَهُوَ بِسَبْتَةَ، لِيَعْبَرَ إِلَيْهِمْ وَلِيَقُومُوا مَعَهُ وَيَسِيرُوا إِلَى قُرْطُبَةَ، فَعَبَرَ إِلَى مَالِقَةَ فِي سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَخَرَجَ عَنْهَا عَامِرُ بْنُ فَتُّوحٍ، وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ، وَسَارَ خَيْرَانُ وَمَنْ أَجَابَهُ إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا بِالْمَنْكِبِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْمَرِيَّةِ وَمَالِقَةَ، سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَرَّرُوا مَا يَفْعَلُونَهُ، وَعَادُوا يَتَجَهَّزُونَ لِقَصْدِ قُرْطُبَةَ، فَتَجَهَّزُوا وَجَمَعُوا مَنْ وَافَقَهُمْ، وَسَارُوا إِلَى قُرْطُبَةَ وَبَايَعُوا عَلِيًّا عَلَى طَاعَةِ الْمُؤَيَّدِ الْأُمَوِيِّ.
فَلَمَّا بَلَغُوا غَرْنَاطَةَ (وَافَقَهُمْ أَمِيرُهَا، وَسَارَ مَعَهُمْ إِلَى قُرْطُبَةَ، فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ وَالْبَرْبَرُ إِلَيْهِمْ، فَالْتَقَوْا) وَاقْتَتَلُوا عَلَى عَشَرَةِ فَرَاسِخَ مِنْ قُرْطُبَةَ، وَنَشَبَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، فَانْهَزَمَ سُلَيْمَانُ وَالْبَرْبَرُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُخِذَ سُلَيْمَانُ أَسِيرًا فَحُمِلَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حَمُّودٍ وَمَعَهُ أَخُوهُ وَأَبُوهُ الْحَاكِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّاصِرِ، وَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ حَمُّودٍ قُرْطُبَةَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] ، وَدَخَلَ خَيْرَانُ وَغَيْرُهُ إِلَى الْقَصْرِ طَمَعًا فِي أَنْ يَجِدُوا الْمُؤَيَّدَ حَيًّا فَلَمْ يَجِدُوهُ، وَرَأَوْا شَخْصًا مَدْفُونًا فَنَبَشُوهُ، وَجَمَعُوا لَهُ النَّاسَ، وَأَحْضَرُوا بَعْضَ فِتْيَانِهِ الَّذِينَ رَبَّاهُمْ وَعَرَضُوهُ عَلَيْهِ، فَفَتَّشَهُ، وَفَتَّشَ أَسْنَانَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ سِنٌّ سَوْدَاءُ وَكَانَ يَعْرِفُهَا ذَلِكَ الْفَتَى، فَأَجْمَعَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ الْمُؤَيَّدُ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ عَلِيٍّ فَأَخْبَرُوا خَيْرَانَ أَنَّهُ الْمُؤَيَّدُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَعْلَمُ أَنَّ