وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ لِيَنْظُرَ هَلْ يَتَّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ. قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتَ جُمْجُمَةً، خَرَجَتْ مِنْ ظُلْمَةٍ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَةٍ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَةٍ.

فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ ذَلِكَ قَالَ: مَا أَخْطَأْتَ شَيْئًا، فَمَا تَأْوِيلُهَا؟ . قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ إِنْسَانْ، لِيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمُ السُّودَانْ، وَلِيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إِلَى نَجْرَانْ. قَالَ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا شُقُّ! إِنَّ هَذَا لَغَائِظٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ . قَالَ: بَعْدَكَ بِزَمَانْ، ثُمَّ يَسْتَنْقِظُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَانْ، وَيُذِيقُكُمْ أَشَدَّ الْهَوَانْ، وَهُوَ غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيٍّ وَلَا مُزَنْ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنْ. قَالَ: فَهَلْ يَدُومُ سُلْطَانُهُ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ . قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولٍ مُرْسَلٍ، يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْفَصْلِ. قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ . قَالَ: يَوْمَ تُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةْ، وَيُدْعَى مِنَ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتْ، وَيَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتْ، وَيَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ لِلْمِيقَاتْ.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا جَهَّزَ بَنِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ إِلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، فَمِنْ بَقِيَّةِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ كَانَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَلِكَ الْحِيرَةِ، وَهُوَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ ذَلِكَ الْمَلِكُ.

فَلَمَّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَاجْتَمَعَ مُلْكُ الْيَمَنِ إِلَى حَسَّانَ بْنِ تُبَّانَ بْنِ كَرِبِ بْنِ مَلْكِيكَرِبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو ذِي الْأَذْعَارِ، كَانَ مِمَّا هَيَّجَ أَمْرَ الْحَبَشَةِ، وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ عَنْ حِمْيَرَ أَنَّ حَسَّانَ سَارَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَطَأَ بِهِمْ أَرْضَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، كَمَا كَانَتِ التَّبَابِعَةُ تَفْعَلُ. فَلَمَّا كَانَ بِالْعِرَاقِ قَبِلَتْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ الْمَسِيرَ مَعَهُ، فَكَلَّمُوا أَخَاهُ عَمْرًا فِي قَتْلِ حَسَّانَ وَتَمْلِيكِهِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذِي رُعَيْنٍ الْحِمْيَرِيِّ، فَإِنَّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، فَعَمَدَ ذُو رُعَيْنٍ إِلَى صَفِيحَةٍ فَكَتَبَ فِيهَا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015