بِنَفْسِهِ فَقَبَضَ عَلَيْهِ بِتُسْتَرَ، وَأَخَذَ مِنْهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَلَمْ يُوصِلْهَا، وَكَانَ مُتَهَوِّرًا لَا يُفَكِّرُ فِي عَاقِبَةِ أَمْرٍ، وَسَيَرِدُ مِنْ أَخْبَارِهِ مَا يُعْلَمُ بِهِ دَهَاؤُهُ، وَمَكْرُهُ وَقِلَّةُ دِينِهِ، وَتَهَوُّرُهُ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ جَعَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنَ بْنَ أَحْمَدَ الْمَادَرَائِيَّ مُشْرِفًا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ.
(الْبَرِيدِيُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْبَرِيدِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَمِيرُ ابْنُ مَاكُولَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ مِسْكَوَيْهِ بِالْيَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتٍ، وَالزَّايِ، وَقَالَ: كَانَ جَدُّهُ يَخْدِمُ يَزِيدَ بْنَ مَنْصُورٍ الْحِمْيَرِيَّ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَا ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ مِسْكَوَيْهِ إِلَّا حَتَّى لَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّنَا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ، وَأَخْطَأْنَا الصَّوَابَ) .
ذِكْرُ مَنْ ظَهَرَ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ مِنَ الْقَرَامِطَةِ
لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي طَاهِرٍ الْقَرْمَطِيِّ مَا ذَكَرْنَاهُ، اجْتَمَعَ مَنْ كَانَ بِالسَّوَادِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الْقَرَامِطَةِ فَيَكْتُمُ اعْتِقَادَهُ خَوْفًا، فَأَظْهَرُوا اعْتِقَادَهُمْ، فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ بِسَوَادِ وَاسِطَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ رَجُلٍ، وَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ رَجُلًا يُعْرَفُ بِحُرَيْثِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَاجْتَمَعَ طَائِفَةٌ أُخْرَى بِعَيْنِ التَّمْرِ وَنَوَاحِيهَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ إِنْسَانًا يُسَمَّى عِيسَى بْنَ مُوسَى، وَكَانُوا يَدْعُونَ إِلَى الْمَهْدِيِّ.
وَسَارَ عِيسَى إِلَى الْكُوفَةِ، وَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا، وَجَبَى الْخَرَاجَ، وَصَرَفَ الْعُمَّالَ عَنِ السَّوَادِ.
وَسَارَ حُرَيْثُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَعْمَالِ الْمُوَفَّقِيِّ وَبَنَى بِهَا دَارًا سَمَّاهَا دَارَ الْهِجْرَةِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَكَانُوا يَنْهَبُونَ، وَيَسْبُونَ، وَيَقْتُلُونَ، وَكَانَ يَتَقَلَّدُ الْحَرْبَ بِوَاسِطَ بُنِّيُّ بْنُ نَفِيسٍ، فَقَاتَلَهُمْ، فَهَزَمُوهُ، فَسَيَّرَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ إِلَى حُرَيْثِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ