وَكَانَ قَدْ حَصَرَهَا مِرَارًا كَثِيرَةً فَلَمْ يَظْفَرْ بِهَا فَلَمَّا حَصَرَهَا الْآنَ ضَيَّقَ عَلَيْهَا، وَجَدَّ فِي الْقِتَالِ وَنَصَبَ عَلَيْهَا الدَّبَّابَاتِ، وَرَمَاهَا بِالنَّارِ، فَأَحْرَقَهَا، وَفَتَحَهَا بِالسَّيْفِ وَقَتَلَ الرِّجَالَ، وَهَدَمَ الْأَسْوَارَ.
وَاتَّصَلَتِ الْأَخْبَارُ بِزِيَادَةِ اللَّهِ، فَعَظُمَ عَلَيْهِ [ذَلِكَ] ، وَأَخَذَ فِي الْجَمْعِ وَالْحَشْدِ، فَجَمَعَ عَسْكَرًا عُدَّتُهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ هَارُونَ بْنَ الطُّبْنِيِّ، فَسَارَ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقَصَدَ مَدِينَةَ دَارِ مُلُوكٍ، وَكَانَ أَهْلُهَا قَدْ أَطَاعُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَتَلَ هَارُونُ أَهْلَهَا، وَهَدَمَ الْحِصْنَ، وَلَقِيَهُ فِي طَرِيقِهِ خَيْلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَانَ قَدْ أَرْسَلَهَا لِيَخْتَبِرُوا عَسْكَرَهُ، فَلَمَّا رَآهَا الْعَسْكَرُ اضْطَرَبُوا وَصَاحُوا صَيْحَةً عَظِيمَةً، وَهَرَبُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فَظَنَّ أَصْحَابُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ، فَلَمَّا ظَهَرَ أَنَّهَا هَزِيمَةٌ اسْتَدْرَكُوا الْأَمْرَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ، فَمَا يُحْصَى مَنْ قُتِلُوا، وَقُتِلَ هَارُونُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ، وَفَتَحَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَدِينَةَ تِيجِسَ صُلْحًا، فَاشْتَدَّ الْأَمْرُ حِينَئِذٍ عَلَى زِيَادَةِ اللَّهِ، وَأَخْرَجَ الْأَمْوَالَ، وَجَيَّشَ الْجُيُوشَ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ إِلَى مُحَارَبَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَوَصَلَ إِلَى الْأُرْبُسِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ وُجُوهُ دَوْلَتِهِ: إِنَّكَ تُغَرِّرُ بِنَفْسِكَ، فَإِنْ يَكُنْ عَلَيْكَ لَا يَبْقَى لَنَا مَلْجَأٌ، وَالرَّأْيُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مُسْتَقَرِّ مُلْكِكَ، وَتُرْسِلَ الْجَيْشَ مَعَ مَنْ تَثِقُ بِهِ فَإِنْ كَانَ
الْفَتْحُ لَنَا فَنَصِلُ إِلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَتَكُونُ مَلْجَأً لَنَا.
وَرَجَعَ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَيَّرَ الْجَيْشَ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَمِّهِ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْأَغْلَبِ، وَكَانَ شُجَاعًا، وَبَلَغَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْخَبَرُ، وَكَانَ أَهْلُ بَاغَايَةَ قَدْ كَاتَبُوهُ بِالطَّاعَةِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا، هَرَبَ عَامِلُهَا إِلَى الْأُرْبُسِ، فَدَخَلَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَتَرَكَ بِهَا جُنْدًا، وَعَادَ إِلَى إِنْكِجَانَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى زِيَادَةِ اللَّهِ، فَزَادَهُ غَمًّا وَحُزْنًا، فَقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ كَانَ يُضْحِكُهُ يَا مَوْلَانَا لَقَدْ عَمِلْتُ بَيْتَ شِعْرٍ، فَعَسَى تَجْعَلُ مَنْ