الْعَسَاكِرِ، وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ عَسَاكِرُ عَظِيمَةٌ، فَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ خُنَيْشٍ وَهُوَ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَكَانَ لَا يَعْرِفُ الْحَرْبَ، فَبَلَغَتْ عِدَّةُ جَيْشِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ وَالْعُدَدَ، وَلَمْ يَتْرُكْ بِإِفْرِيقِيَّةَ شُجَاعًا إِلَّا أَخْرَجَهُ مَعَهُ، وَسَارَ إِلَيْهِ، فَانْضَافَ إِلَيْهِ مِثْلُ جَيْشِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ الْهَوَاءِ، وَهِيَ مَدِينَةٌ قَدِيمَةٌ حَصِينَةٌ، نَزَلَ بِهَا، وَأَتَاهُ كَثِيرٌ مِنْ كُتَامَةَ الَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَتَلَ فِي طَرِيقِهِ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَخَافَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْهُ، وَجَمِيعُ كُتَامَةَ، وَأَقَامَ بِقُسْطَنْطِينِيَّةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُتَحَصِّنٌ فِي الْجَبَلِ.
فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَا يَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ بَادَرَ وَزَحَفَ بِالْعَسَاكِرِ الْمُجْتَمِعَةِ إِلَى بَلَدٍ اسْمُهُ كَرْمَةُ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ خَيْلًا اخْتَارَهَا (لِيَخْتَبِرَ نُزُولَهُ) ، فَوَافَاهَا بِالْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ، فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ الْخَيْلَ قَصَدَ إِلَيْهَا بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَصْحَبْهُ (إِلَيْهَا) أَحَدٌ مِنْ جَيْشِهِ، وَكَانَتْ أَثْقَالُ الْعَسْكَرِ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ لَمْ تُحَطَّ، وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا.
وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَزَحَفَ بِالْعَسَاكِرِ، فَوَقَعَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ مَعَهُ، فَجُرِحَ وَعُقِرَ فَرَسُهُ وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الْجَيْشِ جَمِيعِهِ، وَأَسْلَمُوا الْأَثْقَالَ بِأَسْرِهَا، فَغَنِمَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَتَمَّ [أَمْرُ] إِبْرَاهِيمَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَشَاشَتْ بِلَادُ إِفْرِيقِيَّةَ، وَعَظُمَ أَمْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَاسْتَقَرَّتْ دَوْلَتُهُ، وَكَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كِتَابًا إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَهُوَ فِي سِجْنِ سِجِلْمَاسَةَ يُبَشِّرُهُ، وَسَيَّرَ الْكِتَابَ مَعَ بَعْضِ ثِقَاتِهِ، فَدَخَلَ السِّجْنَ فِي زِيِّ قَصَّابٍ يَبِيعُ اللَّحْمَ، فَاجْتَمَعَ بِهِ وَعَرَّفَهُ ذَلِكَ.
وَسَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مَدِينَةِ طُبْنَةَ فَحَصَرَهَا، وَنَصَبَ عَلَيْهَا الدَّبَّابَاتِ، وَنَقَبَ بُرْجًا وَبَدَنَةً، فَسَقَطَ السُّورُ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ، وَمَلَكَ الْبَلَدَ، فَاحْتَمَى الْمُقْدِمُونَ بِحِصْنِ الْبَلَدِ، فَحَصَرَهُمْ، فَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُمْ، وَأَمَّنَ أَهْلَ الْبَلَدِ، وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ بِلُزْمَةَ