أَبِي مَلَاحِفَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَكَّةَ سَأَلَ عَنْ حُجَّاجِ كُتَامَةَ فَأُرْشِدَ إِلَيْهِمْ، فَاجْتَمَعَ بِهِمْ، وَلَمْ يُعَرِّفْهُمْ قَصْدَهُ، وَجَلَسَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَسَمِعَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ بِفَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَأَظْهَرَ اسْتِحْسَانَ ذَلِكَ، وَحَدَّثَهُمْ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوهُ،

فَلَمَّا أَرَادَ الْقِيَامَ سَأَلُوهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي زِيَارَتِهِ وَالِانْبِسَاطِ مَعَهُ، فَأَذِنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَسَأَلُوهُ أَيْنَ مَقْصِدُهُ، فَقَالَ: أُرِيدُ مِصْرَ، فَفَرِحُوا بِصُحْبَتِهِ.

وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكُتَامِيِّينَ بِمَكَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ حُرَيْثٌ الْجَمِيلِيُّ، وَآخَرُ اسْمُهُ مُوسَى بْنُ مَكَّادَ، فَرَحَلُوا، وَهُوَ لَا يُخْبِرُهُمْ بِغَرَضِهِ، وَأَظْهَرَ لَهُمُ الْعِبَادَةَ، وَالزُّهْدَ، فَازْدَادُوا فِيهِ رَغْبَةً، وَخَدَمُوهُ، وَكَانَ يَسْأَلُهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، وَعَنْ طَاعَتِهِمْ لِسُلْطَانِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَقَالُوا: مَا لَهُ عَلَيْنَا طَاعَةٌ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ.

قَالَ: أَفَتَحْمِلُونَ السِّلَاحَ؟ قَالُوا: هُوَ شُغْلُنَا، وَلَمْ يَزَلْ يَتَعَرَّفُ أَحْوَالَهُمْ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا أَرَادَ وَدَاعَهُمْ قَالُوا لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ تَطْلُبُ بِمِصْرَ؟ قَالَ: أَطْلُبُ التَّعْلِيمَ بِهَا، قَالُوا: إِذَا كُنْتَ تَقْصِدُ هَذَا فَبِلَادُنَا أَنْفَعُ لَكَ، وَنَحْنُ أَعْرَفُ بِحَقِّكَ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَجَابَهُمْ إِلَى الْمَسِيرِ (مَعَهُمْ) بَعْدَ الْخُضُوعِ وَالسُّؤَالِ، فَسَارَ مَعَهُمْ.

فَلَمَّا قَارَبُوا بِلَادَهُمْ لَقِيَهُمْ رِجَالٌ مِنَ الشِّيعَةِ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِخَبَرِهِ، فَرَغِبُوا فِي نُزُولِهِ عِنْدَهُمْ، وَاقْتَرَعُوا فِيمَنْ يُضَيِّفُهُ (مِنْهُمْ) ثُمَّ رَحَلُوا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى أَرْضِ كُتَامَةَ، مُنْتَصَفَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَسَأَلَهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلُوا دُونَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ يَكُونُ فَجُّ الْأَخْيَارِ؟ فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُونُوا ذَكَرُوهُ لَهُ، فَقَالُوا لَهُ: عِنْدَ بَنِي سُلَيَّانَ.

فَقَالَ: إِلَيْهِ نَقْصِدُ، ثُمَّ نَأْتِي قَوْمًا مِنْكُمْ فِي دِيَارِكُمْ، وَنَزُورُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، فَأَرْضَى بِذَلِكَ الْجَمِيعَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015