وَسَارَ إِلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ إِنْكِجَانَ، وَفِيهِ فَجُّ الْأَخْيَارِ، (فَقَالَ: هَذَا فَجُّ الْأَخْيَارِ) ، وَمَا سُمِّيَ إِلَّا بِكُمْ، وَلَقَدْ جَاءَ فِي الْآثَارِ: إِنَّ لِلْمَهْدِيِّ هِجْرَةً تَنْبُو عَنِ الْأَوْطَانِ، يَنْصُرُهُ فِيهَا الْأَخْيَارُ مِنْ (أَهْلِ) ذَلِكَ الزَّمَانِ، قَوْمٌ مُشْتَقٌّ اسْمُهُمْ مِنَ الْكِتْمَانِ، (فَإِنَّهُمْ كُتَامَةُ) ، وَبِخُرُوجِكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ يُسَمَّى فَجَّ الْأَخْيَارِ.
فَتَسَامَعَتِ الْقَبَائِلُ، وَصَنَعَ مِنَ الْحِيَلِ وَالْمَكِيدَاتِ وَالنَّارِنْجِيَّاتِ مَا أَذْهَلَ عُقُولَهُمْ، وَأَتَاهُ الْبَرْبَرُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَعَظُمَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ تَقَاتَلَتْ كُتَامَةُ عَلَيْهِ مَعَ قَبَائِلِ الْبَرْبَرِ، وَسَلِمَ مِنَ الْقَتْلِ مِرَارًا وَهُوَ (فِي كُلِّ) ذَلِكَ لَا يَذْكُرُ اسْمَ الْمَهْدِيِّ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى مُنَاظَرَتِهِ وَقَتْلِهِ، فَلَمْ يَتْرُكْهُ الْكُتَامِيُّونَ يُنَاظِرُهُمْ، وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَهُمْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَشْرِقِيَّ.
وَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْأَغْلَبِ أَمِيرِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَأَرْسَلَ عَامِلَهُ عَلَى مَدِينَةِ مِيلَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَمْرِهِ، فَصَغَّرَهُ وَذَكَرَ (لَهُ) أَنَّهُ يَلْبَسُ الْخَشِنَ، وَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَالْعِبَادَةِ فَسَكَتَ عَنْهُ.
ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ لِلْكُتَامِيِّينَ: أَنَا صَاحِبُ الْبَدْرِ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَالْحُلْوَانِيُّ، فَازْدَادَتْ مَحَبَّتُهُمْ لَهُ، وَتَعْظِيمُهُمْ لِأَمْرِهِ، وَتَفَرَّقَتْ كَلِمَةُ الْبَرْبَرِ وَكُتَامَةَ بِسَبَبِهِ، فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قَتْلَهُ، فَاخْتَفَى، وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ شَدِيدٌ، وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِإِنْسَانٍ اسْمُهُ الْحَسَنُ بْنُ هَارُونَ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ كُتَامَةَ، فَأَخَذَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَدَافَعَ عَنْهُ، وَمَضَيَا إِلَى مَدِينَةِ نَاصِرُونَ، فَأَتَتْهُ الْقَبَائِلُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَصَارَتِ الرِّئَاسَةُ لِلْحَسْنِ بْنِ هَارُونَ.