إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْأَغْلَبِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، بَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا سِوَى مَنِ انْضَافَ إِلَيْهِ، فَهَزَمَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ (آنِفًا) ، فَلَمَّا اتَّصَلَ بِزِيَادَةِ اللَّهِ خَبَرُ الْهَزِيمَةِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مُقَامَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا (الْجَمْعَ) هُوَ آخِرُ مَا انْتَهَتْ قُدْرَتُهُ إِلَيْهِ، فَجَمَعَ مَا عَزَّ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعَزَمَ عَلَى الْهَرَبِ إِلَى بِلَادِ الشَّرْقِ، وَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ خَبَرُ، (هَزِيمَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيِّ) ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ رِجَالٍ مِنَ الْحَبْسِ، فَقَتَلَهُمْ، وَأَعْلَمَ خَاصَّتَهُ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ.
فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَهْلُ دَوْلَتِهِ بِأَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَتْرُكَ مُلْكَهُ.
قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَا يُجْسَرُ عَلَيْهِ فَشَتَمَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ رَأْيَهُ، وَقَالَ: أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْكَ أَنْ يَأْخُذَنِي بِيَدِي.
وَانْصَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ خَاصَّتِهِ وَأَهْلِهِ يَتَجَهَّزُ لِلْمَسِيرِ مَعَهُ، وَأَخْذِ مَا أَمْكَنَهُ حَمْلُهُ.
وَكَانَتْ دَوْلَةُ آلِ (الْأَغْلَبِ بِإِفْرِيقِيَّةَ) قَدْ طَالَتْ مُدَّتُهَا، وَكَثُرَتْ عَبِيدُهَا (وَقَوِيَ سُلْطَانُهَا) ، وَسَارَ عَنْ إِفْرِيقِيَةَ إِلَى مِصْرَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَاجْتَمَعَ مَعَهُ خَلْقٌ عَظِيمٌ، فَلَمْ يَزَلْ سَائِرًا حَتَّى وَصَلَ طَرَابُلُسَ، فَدَخَلَهَا، فَأَقَامَ بِهَا تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَرَأَى بِهَا أَبَا الْعَبَّاسِ أَخَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيِّ، وَكَانَ مَحْبُوسًا بِالْقَيْرَوَانِ، حَبَسَهُ زِيَادَةُ اللَّهِ، فَهَرَبَ إِلَى طَرَابُلُسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَحْضَرَهُ وَقَرَّرَهُ: هَلْ هُوَ أَخُو أَبِي عَبْدِ اللَّهِ؟ فَأَنْكَرَ وَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ تَاجِرٌ قِيلَ عَنِّي، (إِنَّنِي أَخُو أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) فَحَبَسْتَنِي.
فَقَالَ لَهُ زِيَادَةُ اللَّهِ: أَنَا أُطْلِقُكَ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي أَنَّكَ تَاجِرٌ فَلَا نَأْثَمُ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، وَأَنْتَ أَخُو