سُلَيْمَانَ، وَقَلَّدَهُ الْأَعْمَالَ، فَسَعَى سُلَيْمَانُ بِابْنِ الْفُرَاتِ إِلَى الْمُقْتَدِرِ، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ مُطَالَعَةً تَتَضَمَّنُ ذِكْرَ أَمَلَاكِ الْوَزِيرِ وَضِيَاعِهِ وَمُسْتَغَلَّاتِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْبَابِهِ، وَأَخَذَ الرُّقْعَةَ لِيُوَصِّلَهَا إِلَى الْمُقْتَدِرِ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ.
وَحَضَرَ دَارَ الْوَزِيرِ وَهِيَ مَعَهُ، وَسَقَطَتْ مِنْ كُمِّهِ، فَظَفِرَ بِهَا بَعْضُ الْكُتَّابِ فَأَوْصَلَهَا إِلَى الْوَزِيرِ، فَلَمَّا قَرَأَهَا قَبَضَ عَلَى سُلَيْمَانَ، وَجَعَلَهُ فِي زَوْرَقٍ وَأَحْضَرَهُ إِلَى وَاسِطَ، وَوَكَّلَ بِهِ هُنَاكَ، وَصَادَرَهُ، ثُمَّ أَرَادَ الْعَفْوَ عَنْهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: نَظَرْتُ - أَعَزَّكَ اللَّهُ - فِي حَقِّكَ عَلَيَّ وَجُرْمِكَ إِلَيَّ، فَرَأَيْتُ الْحَقَّ مُوفِيًا عَلَى الْجُرْمِ، وَتَذَكَّرْتُ مِنْ سَالِفِ خِدْمَتِكَ مَا عَطَّفَنِي عَلَيْكَ، وَثَنَانِي إِلَيْكَ وَأَعَادَنِي لَكَ إِلَى أَفْضَلِ مَا عَهِدْتُ، وَأَجْمَلِ مَا أَلِفْتُ، وَأَطْلَقَ لَهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَفَا عَنْهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ وَأَكْرَمَهُ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ أَبِي مُضَرَ إِفْرِيقِيَّةَ وَهَرَبِهُ إِلَى الْعِرَاقِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، مُسْتَهَلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلِيَ أَبُو مُضَرَ زِيَادَةُ اللَّهِ بْنُ (أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ) عَبْدِ اللَّهِ إِفْرِيقِيَّةَ، بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ، فَعَكَفَ عَلَى اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَمُلَازِمَةِ النُّدَمَاءِ وَالْمُضْحِكِينَ، وَأَهْمَلَ أُمُورَ الْمَمْلَكَةِ وَأَحْوَالَ الرَّعِيَّةِ، وَأَرْسَلَ كِتَابًا، (يَوْمَ وُلِّيَ) إِلَى عَمِّهِ الْأَحْوَلِ عَلَى لِسَانِ أَبِيهِ يَسْتَعْجِلُهُ (فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَيَحُثُّهُ عَلَى السُّرْعَةِ، فَسَارَ مُجِدًّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِقَتْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ) ، فَلَمَّا وَصَلَ قَتَلَهُ وَقَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَامِهِ وَإِخْوَتِهِ.
وَاشْتَدَّتْ شَوْكَةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشِّيعِيِّ فِي أَيَّامِهِ، وَقَوِيَ أَمْرُهُ، وَكَانَ الْأَحْوَلُ قُبَالَتَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ صَفَتْ لَهُ الْبِلَادُ، وَدَانَتْ لَهُ الْأَمْصَارُ وَالْعِبَادُ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ زِيَادَةُ اللَّهِ جَيْشًا مَعَ