ذِكْرُ أَخْبَارِ صَاحِبِ الزَّنْجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سُيِّرَ جُعْلَانُ لِحَرْبِ صَاحِبِ الزَّنْجِ بِالْبَصْرَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ نَزَلَ بِمَكَانٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الزَّنْجِ فَرْسَخٌ، وَخَنْدَقَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي خَنْدَقَةٍ، وَجَعَلَ يُوَجِّهُ الزَّيْنَبِيَّ وَبَنِي هَاشِمٍ وَمَنْ خَفَّ لِحَرْبِهِمْ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي تَوَاعَدَهُمْ جُعَلَانُ لِلِقَائِهِ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ إِلَّا الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ وَالنُّشَّابِ، وَلَا يَجْدُ جُعَلَانُ إِلَى لِقَائِهِ سَبِيلًا، لِضِيقِ الْمَكَانِ عَنْ مَجَالِ الْخَيْلِ، وَكَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ جُعْلَانَ خَيَّالَةً.
فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهُ فِي خَنْدَقِهِ أَرْسَلَ صَاحِبَ الزَّنْجِ أَصْحَابَهُ إِلَى مَسَالِكِ الْخَنْدَقِ، فَيُبَيِّتُوا جُعْلَانَ، وَقَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةً، وَخَافَ الْبَاقُونَ خَوْفًا شَدِيدًا.
وَكَانَ الزَّيْنَبِيُّ قَدْ جَمَعَ الْبِلَالِيَّةَ، وَالسَّعْدِيَّةَ وَوَجَّهَ بِهِمْ مِنْ مَكَانَيْنِ، وَقَاتَلُوا الْخَبِيثَ، فَظَفِرَ بِهِمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، فَتَرَكَ جُعْلَانُ خَنْدَقَهُ وَانْصَرَفَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَظَهَرَ عَجْزُهُ لِلسُّلْطَانِ، فَصَرَفَهُ عَنْ حَرْبِ الزَّنْجِ، وَأَمَرَ سَعِيدًا الْحَاجِبَ بِمُحَارَبَتِهِمْ.
وَتَحَوَّلَ صَاحِبُ الزَّنْجِ، بَعْدَ ذَلِكَ، مِنَ السَّبْخَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا، وَنَزَلَ بِنَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ، وَأَخَذَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مَرْكَبًا مِنْ مَرَاكِبِ الْبَحْرِ، وَأَخَذُوا مِنْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَةً لَا تُحْصَى، وَقُتِلَ مَنْ فِيهَا، وَنَهَبَهَا أَصْحَابُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَخَذَ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ النَّهْبِ.
ذِكْرُ دُخُولِ الزَّنْجِ الْأُبُلَّةِ
وَفِيهَا دَخَلَ الزَّنْجُ الْأُبُلَّةَ، فَقَتَلُوا فِيهَا خَلْقًا كَثِيرًا وَأَحْرَقُوهَا.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ جُعْلَانَ لَمَّا تَنَحَّى عَنْ خَنْدَقِهِ إِلَى الْبَصْرَةِ أَلَحَّ شَنَّا صَاحِبُ الزَّنْجِ بِالْغَارَاتِ عَلَى الْأُبُلَّةِ، وَجَعَلَتْ سَرَايَاهُ تَضْرِبُ إِلَى نَاحِيَةِ نَهْرِ مَعْقِلٍ، وَلَمْ يَزَلْ يُحَارِبُ إِلَى يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، فَافْتَتَحَهَا، وَقُتِلَ أَبُو الْأَحْوَصِ (وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الطُّوسِيِّ) ، وَأَضْرَمَهَا نَارًا وَكَانَتْ مَبْنِيَّةً بِالسَّاجِ، فَأَسْرَعَتِ النَّارُ فِيهَا، وَقُتِلَ مِنْ أَهْلِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَحَوَوُا الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ، وَكَانَ مَا أَحْرَقَتِ النَّارُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي نَهَبَ.