آخَرَ زَيْتٌ، وَفِي آخَرَ خَلٌّ، فَدَعَانِي إِلَى الْأَكْلِ، وَأَكَلْتُ مُقْتَصِرًا ظَنًّا مِنِّي أَنَّهُ يُحْضِرُ طَعَامًا جَيِّدًا، فَلَمَّا رَأَى أَكْلِي كَذَلِكَ قَالَ: أَمَا كُنْتَ صَائِمًا؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَفَلَسْتَ تُرِيدُ عَشَاءَكَ، فَلَيْسَ هَهُنَا غَيْرُ مَا تَرَى.

فَعَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهِ، وَقُلْتُ: وَلِمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَدْ أَسْبَغَ اللَّهُ عَلَيْكَ النِّعْمَةَ وَوَسَّعَ رِزْقَهُ! فَقَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا وَصَفْتُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَغِرْتُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يَكُونَ فِي خُلَفَائِهِمْ مِثْلُهُ وَأَخَذْتُ نَفْسِي بِمَا رَأَيْتَ.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ الْهَاشِمِيِّينَ: إِنَّ الْمُهْتَدِيَ وَجَدُوا لَهُ سَفَطًا فِيهِ جُبَّةُ صُوفٍ، وَكِسَاءٌ، وَبُرْنُسٌ كَانَ يَلْبَسُهُ بِاللَّيْلِ، وَيُصَلِّي فِيهِ، وَيَقُولُ: أَمَا يَسْتَحِي بَنُو الْعَبَّاسِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ وَكَانَ قَدْ أَطَّرَحَ الْمَلَاهِيَ، وَحَرَّمَ الْغِنَاءَ وَالشَّرَابَ، وَمَنَعَ أَصْحَابَ السُّلْطَانِ عَنِ الظُّلْمِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ.

ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمُعْتَمِدِ عَلَى اللَّهِ

لَمَّا أُخِذَ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ وَحُبِسَ أُحْضِرَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ فِتْيَانٍ، وَكَانَ مَحْبُوسًا بِالْجَوْسَقِ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَبَايَعَهُ الْأَتْرَاكُ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى مُوسَى بْنِ بُغَا وَهُوَ بِخَانِقِينَ، فَحَضَرَ إِلَى سَامَرَّا فَبَايَعَهُ، وَلُقِّبَ الْمُعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمُهْتَدِيَ مَاتَ ثَانِيَ يَوْمِ بَيْعَةِ الْمُعْتَمِدِ، وَسَكَنَ النَّاسُ.

وَاسْتَوْزَرَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015