وَطَلَبُوا مُحَمَّدَ بْنَ بُغَا، فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا، فَكَسَرُوا عَلَى قَبْرِهِ أَلْفَ سَيْفٍ.
وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَةِ الْمُهْتَدِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَخَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ وَاسِعَ الْجَبْهَةِ، أَسْمَرَ، رَقِيقًا، أَشْهَلَ، جَهْمَ الْوَجْهِ، عَرِيضَ الْبَطْنِ، عَرِيضَ الْمَنْكِبَيْنِ، قَصِيرًا، طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، وَمَوْلِدُهُ بِالْقَاطُولِ.
ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَةِ الْمُهْتَدِي
كَانَ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ مِنْ أَحْسَنِ الْخُلَفَاءِ (مَذْهَبًا، وَأَجْمَلِهِمْ طَرِيقَةً، وَأَظْهَرِهِمْ وَرَعًا، وَأَكْثَرِهِمْ عِبَادَةً) .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْكَافِيُّ: جَلَسَ الْمُهْتَدِي لِلْمَظَالِمِ، فَاسْتَعْدَاهُ رَجُلٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ، فَأُحْضِرَ وَأَقَامَهُ إِلَى جَانِبِ خَصْمِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلْمُهْتَدِي: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَنْتَ إِلَّا كَمَا قِيلَ:
حَكَّمْتُمُوهُ فَقَضَى بَيْنَكُمْ ... أَبْلَجُ مِثْلُ الْقَمَرِ الزَّاهِرِ
لَا يَقْبَلُ الرِّشْوَةَ فِي حُكْمِهِ ... وَلَا يُبَالِي غَبْنَ الْخَاسِرِ
فَقَالَ الْمُهْتَدِي: أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ فَأَحْسَنَ اللَّهُ مَقَالَتَكَ، وَأَمَّا أَنَا فَمَا جَلَسْتُ حَتَّى قَرَأْتُ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] الْآيَةَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ بَاكِيًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ الْهَاشِمِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الْمُهْتَدِي بَعْضَ عَشَايَا شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقُمْتُ لِأَنْصَرِفَ، فَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسْتُ حَتَّى صَلَّى الْمُهْتَدِي بِنَا الْمَغْرِبَ، وَأَمَرَ بِالطَّعَامِ فَأُحْضِرَ، وَأُحْضِرَ طَبَقٌ خِلَافٌ عَلَيْهِ رَغِيفَانِ، وَفِي إِنَاءٍ مِلْحٌ، وَفِي