وَأَرْسَلَ بُغَا إِلَى دَلِيلٍ يَأْمُرُهُ أَلَّا يَرْكَبَ، وَعَرَّفَهُ الْخَبَرَ، وَأَقَامَ فِي كِتَابَتِهِ غَيْرَهُ) ، وَتَوَهَّمَ بَاغِرُ أَنَّهُ قَدْ عَزَلَهُ، فَسَكَنَ بَاغِرُ، ثُمَّ أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا بُغَا، وَبَاغِرُ يَتَهَدَّدُهُ، وَلَزِمَ بَاغِرُ خِدْمَةَ الْمُسْتَعِينِ، (فَقِيلَ ذَلِكَ لِلْمُسْتَعِينِ) .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ نَوْبَةِ بُغَا فِي مَنْزِلِهِ قَالَ الْمُسْتَعِينُ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ إِلَى إِيتَاخَ مِنَ الْخِدْمَةِ؟ فَأَخْبَرَهُ وَصِيفٌ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْأَعْمَالُ إِلَى بَاغِرَ، وَسَمِعَ دَلِيلٌ ذَلِكَ، فَرَكِبَ إِلَى بُغَا، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي بَيْتِكَ، وَهُمْ فِي تَدْبِيرِ عَزْلِكَ، فَإِذَا عُزِلْتَ قُتِلْتَ.
فَرَكِبَ بُغَا إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ فِي يَوْمِهِ، وَقَالَ لِوَصِيفٍ: أَرَدْتَ أَنْ تَعْزِلَنِي؟ فَحَلَفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ مَا أَرَادَ الْخَلِيفَةُ، فَتَعَاقَدَا عَلَى تَنْحِيَةِ بَاغِرَ مِنَ الدَّارِ وَالْحِيلَةِ عَلَيْهِ، فَأَرْجَفَا لَهُ أَنَّهُ يُؤَمَّرُ، وَيُخْلَعُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ مَوْضِعَ بُغَا وَوَصِيفٍ، فَأَحَسَّ بَاغِرُ وَمَنْ مَعَهُ بِالشَّرِّ، فَجَمَعَ إِلَيْهِ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ كَانُوا بَايِعُوهُ عَلَى قَتْلِ الْمُتَوَكِّلِ، وَمَعَهُمْ غَيْرُهُمْ، فَجَدَّدَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ فِي قَتْلِ الْمُسْتَعِينِ، وَبُغَا، وَوَصِيفٍ، وَقَالَ: نُبَايِعُ عَلَى ابْنِ الْمُعْتَصِمِ، أَوِ ابْنِ الْوَاثِقِ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ لَنَا كَمَا هُوَ لِهَذَيْنِ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ.
وَانْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى الْمُسْتَعِينِ، فَبَعَثَ إِلَى بُغَا وَوَصِيفٍ، وَقَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا جَعَلْتُمَانِي خَلِيفَةً، ثُمَّ تُرِيدَانِ قَتْلِي؟ فَحَلَفَا أَنَّهُمَا مَا عَلِمَا بِذَلِكَ، فَأَعْلَمَهُمَا الْخَبَرَ، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَخْذِ بَاغِرَ وَرَجُلَيْنِ مِنَ الْأَتْرَاكِ مَعَهُ، وَحَبْسِهِمْ، فَأَحْضَرُوا بَاغِرَ، فَأَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ، فَعُدِلَ بِهِ إِلَى حَمَّامٍ وَحُبِسَ فِيهِ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْأَتْرَاكَ، فَوَثَبُوا عَلَى إِصْطَبْلِ الْخَلِيفَةِ، فَانْتَهَبُوهُ وَرَكِبُوا مَا فِيهِ، وَحَصَرُوا الْجَوْسَقَ بِالسِّلَاحِ، فَأَمَرَ بُغَا وَوَصِيفٌ بِقَتْلِ بَاغِرَ فَقُتِلَ.