ذِكْرُ مَسِيرِ الْمُسْتَعِينِ إِلَى بَغْدَادَ
فَلَمَّا قُتِلَ بَاغِرُ وَانْتَهَى خَبَرُ قَتْلِهِ إِلَى الْأَتْرَاكِ الْمِشْغَبِينَ أَقَامُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَانْحَدَرَ الْمُسْتَعِينُ، وَبُغَا، وَوَصِيفٌ، وَشَاهَكُ الْخَادِمُ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ شِيرَزَادَ، وَدَلِيلٌ إِلَى بَغْدَادَ فِي حَرَّاقَةَ، فَرَكِبَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِ الْأَتْرَاكِ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمِشْغَبِينَ فَسَأَلُوهُمُ الِانْصِرَافَ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَلَمَّا عَلِمُوا بِانْحِدَارِ الْمُسْتَعِينِ وَبُغَا وَوَصِيفٍ نَدِمُوا، ثُمَّ قَصَدُوا دَارَ دَلِيلٍ، وَدُورَ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ، فَنَهَبُوهَا، حَتَّى صَارُوا إِلَى أَخْذِ الْخَشَبِ وَعَلِيقِ الدَّوَابِّ، فَلَمَّا قَدِمُوا بَغْدَادَ مَرِضَ ابْنُ مَارَمَةَ، فَعَادَهُ دَلِيلٌ، وَقَالَ لَهُ: مَا سَبَبُ عِلَّتِكَ؟ قَالَ: انْتَقَضَ عُقْرُ الْقَيْدِ، فَقَالَ دَلِيلٌ: لَئِنْ عَقَرَكَ الْقَيْدُ لَقَدْ نَقَضْتَ الْخِلَافَةَ، وَبَغَيْتَ الْفِتْنَةَ، وَمَاتَ ابْنُ مَارَمَةَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي ذَلِكَ:
لَعَمْرِي لَئِنْ قَتَلُوا بَاغِرًا ... لَقَدْ هَاجَ بَاغِرُ حَرْبًا طَحُونَا
وَفَرَّ الْخَلِيفَةُ وَالْقَائِدَانِ ... بِاللَّيْلِ يَلْتَمِسُونَ السَّفِينَا
وَصَاحُوا بِمِنْشَارِ مَلَّاحِهِمْ
،
فَجَاءَهُمُ يَسْبِقُ النَّاظِرِينَا ... فَأَلْزَمَهُمْ بَطْنَ حَرَّاقَةٍ
وَصَوْتَ مَجَاذِيفِهِمْ سَائِرِينَا ... وَمَا كَانَ قَدَرُ ابْنِ مَارَمَّةِ
فَنَكْسِبُ فِيهِ الْحُرُوبَ الزَّبُونَا ... وَلَكِنْ دَلِيلٌ سَعَى سَعْيَةً
فَأَخْزَى الْإِلَهُ بِهَا الْعَالَمِينَا ... فَحَلَّ بِبَغْدَاذَ قَبْلَ الشُّرُوقِ
فَخَلَّ بِهَا مِنْهُ مَا يَكْرَهُونَا