يَسِيرَ إِلَيْهَا رَافِعُ بْنُ اللَّيْثِ لِيَأْخُذَهَا، وَكَانَ ابْنُهُ عِيسَى قَدْ دَفَنَ فِي بُسْتَانٍ فِي دَارِهِ بِبَلْخَ - أَمْوَالًا عَظِيمَةً، قِيلَ: كَانَتْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَبُوهُ، وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا إِلَّا جَارِيَةً لَهُ، فَلَمَّا سَارَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى إِلَى مَرْوَ أَطْلَعَتِ الْجَارِيَةُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضَ الْخَدَمِ، وَتَحَدَّثَ بِهِ النَّاسُ وَاجْتَمَعُوا، وَدَخَلُوا الْبُسْتَانَ، وَنَهَبُوا الْمَالَ، وَبَلَغَ الرَّشِيدَ الْخَبَرُ، فَقَالَ: خَرَجَ عَنْ بَلْخَ عَنْ غَيْرِ أَمْرِي، وَخَلَّفَ مِثْلَ هَذَا الْمَالِ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَاعَ حُلِىَّ نِسَائِهِ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَى مُحَارَبَةِ رَافِعٍ! فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ هَرْثَمَةَ بْنَ أَعْيَنَ.

وَكَانَ قَدْ نَقَمَ الرَّشِيدُ عَلَيْهِ مَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ سُوءِ سِيرَتِهِ وَإِهَانَتِهِ أَعْيَانَ النَّاسِ وَاسْتِخْفَافِهِ بِهِمْ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا الْحُسَيْنُ بْنُ مُصْعَبٍ وَالِدُ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَهِشَامُ بْنُ فَرَّخِسْرَوَ، فَسَلَّمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: لَا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ يَا مُلْحِدُ يَا بْنَ الْمُلْحِدِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ، وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ، وَلَمْ أَنْتَظِرْ بِقَتْلِكَ إِلَّا أَمْرَ الْخَلِيفَةِ، أَلَسْتَ الْمُرْجِفَ بِي فِي مَنْزِلِي هَذَا بَعْدَ أَنْ ثَمِلْتَ مِنَ الْخَمْرِ، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ جَاءَتْكَ كُتُبٌ مِنْ بَغْدَاذَ بِعَزْلِي؟ اخْرُجْ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ، لَعَنَكَ اللَّهُ، فَعَنْ قَرِيبٍ مَا يَكُونُ مِنْهَا. فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ فَأُخْرِجَ.

وَقَالَ لِهِشَامِ بْنِ فَرَّخُسْرَوَ: صَارَتْ دَارُكَ دَارَ النَّدْوَةِ، يَجْتَمِعُ إِلَيْكَ السُّفَهَاءُ تَطْعَنُ عَلَى الْوُلَاةِ، سَفَكَ اللَّهُ دَمِي إِنْ لَمْ أَسْفِكْ دَمَكَ! فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَعْذِرْهُ، فَأَخْرَجَهُ.

فَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَسَارَ إِلَى الرَّشِيدِ فَاسْتَجَارَ بِهِ وَشَكَا إِلَيْهِ، فَأَجَارَهُ، وَأَمَّا هِشَامٌ فَإِنَّهُ قَالَ لِبِنْتٍ لَهُ: إِنِّي أَخَافُ الْأَمِيرَ عَلَى دَمِي، وَأَنَا مُفْضٍ إِلَيْكِ بِأَمْرٍ إِنْ أَنْتِ أَظْهَرْتِهِ قُتِلْتُ، وَإِنْ أَنْتِ كَتَمْتِهِ سَلِمْتُ. قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قَدْ عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أُظْهِرَ أَنَّ الْفَالِجَ قَدْ أَصَابَنِي، فَإِذَا كَانَ فِي السَّحَرِ، فَاجْمَعِي جَوَارِيَكِ، وَاقْصُدِي فِرَاشِي وَحَرِّكِينِي، فَإِذَا رَأَيْتِ حَرَكَتِي ثَقُلَتْ فَصِيحِي أَنْتِ وَجَوَارِيكِ، وَاجْمَعِي إِخْوَتَكِ فَأَعْلِمِيهِمْ عِلَّتِي. فَفَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا، وَكَانَتْ عَاقِلَةً، فَأَقَامَ مَطْرُوحًا عَلَى فِرَاشِهِ حِينًا لَا يَتَحَرَّكُ إِلَى أَنْ جَاءَ هَرْثَمَةُ وَالِيًا، فَرَكِبَ إِلَى لِقَائِهِ، فَرَآهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: أَتَلَقَّى الْأَمِيرَ أَبَا حَاتِمٍ. قَالَ: أَلَمْ تَكُنْ عَلِيلًا؟ فَقَالَ: وَهَبَ اللَّهُ الْعَافِيَةَ، وَعَزَلَ الطَّاغِيَةَ، فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ وِلَايَةُ هَرْثَمَةَ ظَاهِرَةً.

وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ سِرًّا، لَمْ يُطْلِعِ الرَّشِيدُ عَلَيْهَا أَحَدًا، فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ عَزْلَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى اسْتَدْعَى هَرْثَمَةَ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى قَدْ كَتَبَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015